☦︎︎35☦︎︎

1.9K 78 10
                                    

رغم أنني كنت نعسى في البداية، إلا أن النوم خاصمني ذلك الصباح.. جونغكوك جلس في الصالة يقرأ ، و جلست أنا على مقربة إليه.. إلى أن عاد الرجل العجوز بعد طلوع الشمس.. فختم جونغكوك قراءته و راح يتحدّث معه..
كانا يتحدثان بشأن المزرعة و ما سيفعلانه هذا اليوم.. و كنت أستمع إليهما ببلاهة ! فأنا لا أفقه كثيرا مما يذكرون !
جونغكوك التفت إلي ّ الآن و قال :
" سوف أخرج للمزرعة الآن، أتأتي معي ؟؟ "
وقفت من فوري و تقدّمت ناحيته.. قال متما عبارته السابقة ببطء :
" أم.. تفضل العودة للنوم ؟ "
" سآتي معك.."
و خرجت معه إلى المزرعة..
الهواء كان باردا لذا شعرت بالبرودة تخترق عظامي
قال جونغكوك :
" سنبدأ بجولة تفقدية "
سرنا في اتجاه شروق الشمس.. و كم كان منظرا جميلا لم أر مثله منذ زمن... الرياح كانت في مواجهتنا، تغزو أنفي رغما عني ، و تزيد من شعوري بالبرد..
أخذت أفرك يدي بتكرار.. أما جونغكوك فكان يسير بثبات في وجه الريح ، و لا يبدو على جسمه أنه يتأثر بها !
كالجبل تماما !
قال لي:
" الجو بارد.. أتفضل العودة للمنزل ؟ "
" ماذا عنك ؟ "
قال :
" سأبدأ حرث منطقة معينة هنا، سنقوم بزرع بذور حولية جديدة فيها.. "
و أشار إلى المنطقة المقصودة...
قلت :
" أنت تحرثها ؟؟ "
و يبدو أن سؤالي هذا ضايقه أو أحرجه.. نظر إلي برهة صامتا ثم قال و هو يحدّق في تلك المنطقة :
" نعم أنا يا تاي.. فهذا هو عملي هنا.. و من هذا العمل أعيش و أعيل نفسي.. و صغيري .."
ثم التفت إلي و قال :
" فهل يصيبك هذا بخيبة أمل أو .. اشمئزاز
قلت بسرعة :
" لا ! لم أٌقصد ذلك.. "
" إذن ؟ "
" تعرف يا جونغكوك.. فخلال التسع سنين الماضية كنت أعتقد أنك... "
و بترت جملتي.. فقد أحسست أن هذا يؤلمه.. و إذا تألم جونغكوك قلبي فأنا أموت ..
قلت :
" لكن ، ألا يمكنك مواصلة الدراسة الآن ؟؟ "
قال :
" إنني أدرس الآن في معهد محلي، و إن تخرجت منه بشهادة معتبرة فستكون لدي فرص أفضل للعمل ، لكن إلى ذلك الوقت سأظل مزارعا "
لم يعجبني ذلك، فأنا لا أريد لجونغكوك أن يغمر يديه في التراب ..، بل أن يعلو السحاب، لكني لم أشأ إحراجه، فقلت :
" أتمنى لك التوفيق "
ابتسم جونغكوك ابتسامة رضا، و تابعنا الطريق...
بقيت أراقبه و هو يعمل، تارة شاعر بإعجاب به ، و تارة شاعر بشفقة عليه ، و تارة بغضب من الأقدار التي أوصلت ابن عمّي إلى هذا المستوى..
ليتني أستطيع منحه ثمان سنين من عمري، تعويضا عما خسر.. بل ليتني أهديه عمري كله.. و كل ما أملك..
الحماس الذي تملكني أثناء مراقبة جونغكوك، و الحرارة التي تنبعث من جسده و هو يعمل بجهد، و من صدره و هو يتنفس بعمق، و من عينيه و هو ينظر إلي ، كل هذه تجمعت معا متحدة مع أشعة الشمس التي ترتفع في السماء، و أكسبتني دفئا و حيوية لا نظير لهما !...
بعد فترة ، أقبلت سيلا...
و الآن، لست فقط أشعر بالدفء ، بل و بالاشتعال ، و الاحتراق أيضا ...
" صباح الخير تاي ! نهضت باكر! "
باكر جدا ! كم تبدو حيوي و نشط بعد نوم هانىء ! أنا لم أنم كما ينبغي ..
قلت :
" صباح الخير"
جونغكوك كان موليا ظهره إلينا هذه اللحظة ، رفعت سيلا صوتها ، و كذلك يدها و هتفت و هي تلوّح :
" صباح الخير يا جونغكوك "
جونغكوك استدار و نظر إليها و رد التحية...
هتفت :
" تعال ، فقد أعددنا الفطور "
قال :
" حسنا ، أمهليني دقيقتين اثنتين "
و أتم ما كان يقوم به ...
سيلا التفت إلي و قالت :
" أعددت فطورا مميزا من أجلك ! آمل أن يعجبك طهو يدي ! الجميع يصفني بالطاهية الماهرة ، و جونغكوك يعشق أطباقي ! "
جونغكوك ماذا ؟
يعشق أطباقها ؟؟ يا للمغرورة !
قلت :
" جونغكوك يعشق أطباق والدتي فهي لا تقارن بشيء ! "
سيلا قالت :
" ليغفر لها الله "
و تذكرت أنه لم يعد لدي والدة ! و لم يعد بإمكان جونغكوك تذوّق تلك الطبخات اللذيذة التي يلتهمها عن آخرها...
ضاق صدري لهذه الذكرى.. و أحنيت رأسي إلى الأسفل بحزن..
سيلا لاحظت ذلك فقالت :
" آسفة.. "
لم أتجاوب معها... ، قالت :
" كم كنت متشوقة للتعرف إليها فقد حدّثني جونغكوك عنها كثيرا.. و كان ينتظر عودتها بفارغ الصبر .. "
رفعت نظري الآن إليها، ليس الحزن هو البادي على وجهي بل الغيظ !
لماذا تتحدّث عن جونغكوك أمامي ؟؟ و لماذا يتحدّث إليها جونغكوك عن أمي ؟ أو عن أي شيء آخر في الدنيا ؟؟ هذه الدخيلة لا تمت إلينا بصلة و لا أريد لمواضيعنا أن تذكر على مسمع منها ...
جونغكوك كان يمشي مقبلا نحونا.. و حين وصل ، شبكت سيلا ذراعها اليمنى بذراعه اليسرى و هي تبتسم بسرور ...
وقفت أنا أنظر إليهما بغيظ و تحذير ! ما لم تفرقا ذراعيكما عن بعض فسأقطعهما !
لم يفهما تحذيري، بل سارا جنبا إلى جنب على هذا الوضع.. سرت أنا إلى الجانب الأيمن من جونغكوك... و سرنا و نحن ندوس على ظلالنا.. و التي يظهر فيها جليا تشابك ذراعيهما ..
حسنا ! من تظن هذه نفسها ؟ جونغكوك ابن عمّي أنا و ولي أمري أنا!
و بدون تفكير، رفعت أنا ذراعي و أمسكت بذراع جونغكوك اليمني بنفس الطريقة ، و بكل تحدي !
جونغكوك نظر إلي بسرعة و بنفس السرعة أضاع أنظاره في الرمال التي نسير فوقها... و بدا وجهه محمرا ! لكنه لم يسحب ذراعه مني ..
تابعنا السير و أنا أراقب الظل أمامي... و لم أترك يده حتّى فعلت هي ذلك... !
صحيح أن الفطور كان شهيا إلا أنني أصبت بعسر هضم من مشاهدة العلاقة الحميمة بين جونغكوك و خطيبتة.. كانا يجلسان متقابلين، و تجلس أم سيلا على رأس المائدة، و أنا إلى جانب جونغكوك، أما العجوز فلم يكن معنا بطبيعة الحال...
لا أريد منهما أن يجلسا متقابلين، و لا متجاورين، و لا في نفس المنزل، و لا حتى على نفس الكوكب..
فيما بعد، عاد جونغكوك للعمل في المزرعة و خطيبتة تشاركه ، و أنا أتفرّج عليهما بغضب.. و أحاول الإنصات جيدا لكل ما يقولان..
أراد جونغكوك بعد ذلك الذهاب إلى مكان ما لإحضار بعض الأشياء، و سألني إن كنت أرغب في مرافقته، أجبت بسرعة :
" طبعا سأذهب معك ! هل ستتركني وحدي ؟؟"
أتذكرون سيارة الحوض الزرقاء التي ركبتها ذات يوم، للذهاب إلى المستوصف ؟ إنها هي.. نفس السيارة التي يحتاجها جونغكوك في مشواره. فيما كنا نقترب منها أقبلت سيلا مرتدية ملابسها و وشاحها الملون، قائلة :
" أوصلني للسوق سأشتري بعض الحاجيات "
و اقتربت من الباب و فتحته، فسار جونغكوك نحو باب المقود.. و قبل أن ترفع سيلا رجلها إلى العتبة، أسرعت أنا و ركبت السيارة لأجلس فاصلا بينهما! هذا ابن عمي أنا.. و أنا الأقرب إليه من كل بنات ، و أبناء أيضا ... أليس كذلك ؟؟
و من السوق اشتريت أنا أيضا بعض الأشياء، من ضمنها عدّة للرسم ، فالمزرعة و مناظرها البديعة أعجبتني كثيرا .. و لسوف أقضي صباح الغد في رسم مناظر خلابة منها ، عوضا عن مراقبة جونغكوك و هو يعمل...
عندما عدنا ، وجدنا ترتيب أثاث الصالة قد تغيّر، لقد قام العجوز و أخته بنقل المقاعد من المجلس إلى الصالة، و نقل سرير جونغكوك من الغرفة الخارجية إلى المجلس !
استغرب.. أي قوّة يملك هذا العجوز ليحرك هذه الأثقال !

YOU ARE MINحيث تعيش القصص. اكتشف الآن