وقفتُ عند أسفل عتبات السلّم... مأخوذا بهول ما سمعتُ... مشلول الإرادة... اختفى تاي بعدما صرخ في وجهي ( أكرهكَ يا بليد ) إن أذني ّ لم تسمعا... إنما هو قلبي الذي اهتز بعنف بعد الصدمة...
التفتُ إلى الوراء بجهد فرأيتُ سيلا تقف ملتصقة بالجدار محملقة بي تكاد بنظراتها تثقبُ عيني ّ فيما تعبيرات الذهول طاغية على وجهها الملوّن...
كانتْ أمسية جميلة و قد استمتعتُ فيها مع سيهون و طفله... ثم سهرتُ مع سيلا نشاهد مسرحية فكاهية رائعة... كان كل شيء رائعا قبل قليل... لماذا يا
تاي ؟ لماذا ؟؟
" جونغكوك "
الحروف خرجتْ متقطّعة من فم سيلا المصعوقة بما سمعتْ... و بالتأكيد تريد الآن أن تسمع من جديد...
" جونغكوك... جونغكوك.. ماذا قال تاي ؟؟ "
ركّزتُ نظري في سيلا ... و لم أرد...
سيلا اقتربتْ منّي خطوة بعد خطوة ببطء ... كأن قدميها قد ثقلتا فجأة و ما عادتْ بقادرة على رفعهما و لما صارتْ أمامي أبعدتُ نظري عن عينيها... فقد كانتْ نظراتها قوية جدا... و مركزة جدا إلا أنها سرعان ما مدّتْ يدها إلي و سألتْ :
" جونغكوك ... أنت َ ... أنت َ ... من... قتل جونغ !؟؟ "
سماع اسمه أجبر عينيّ على العودة فورا إلى عينيها المذهولتين
" جونغكوك ...؟؟ أنت ...!! "
أجبتُ أخيرا :
" نعم ... أنا من قتل جونغ القذر... ابن عمّك "
سيلا رفعتْ يدها بعيدا ثم وضعتْها على فمها و شهقتْ بقوة.. و تجمّدتْ اللحظة ساعة أو عاما أو حتى قرنا من الزمان...
لم أحس إلا بقطرات العرق تسيل على جسمي... و بالحرارة تنبعثُ منه... و لم استطع تحرير بصري من قيد عينيها... بدأتْ الآن تهزّ رأسها في عدم تصديق و دهشة ما مثلها دهشة...
" لا ... لا أصدّق ! جونغكوك!"
و التقطتْ بعض أنفاسها و تابعتْ :
" كل... هذا الوقت... و أنتَ ... تخفي عنّي ؟؟ لا أصدّق ! "
و مرّة أخرى حرّكتْ يدها نحوي و أمسكتْ بكتفي
" غير صحيح ! جونغكوك أنتَ ... تمزح "
قلتُ بحزم :
" قتلتُه و دخلتُ السجن... و لستُ نادما... هذه هي الحقيقة... هل عرفت ِ الآن ؟ "
ابتعدتْ سيلا عنّي و هي تهتفُ :
" لا ... لا ... "
ثم توقفتْ فجأة و استدارتْ إليّ و قالتْ :
" لماذا ؟؟ لماذا قتلته ؟ "
قلتُ مباشرة :
" لأنه يستحق الموت... الحيوان... القذر... الحقير... "
عادتْ تسأل مندهشة مبحوحة الصوت :
" لماذا ؟ "
جوابي كان بضربة سددتُها إلى سياج السلم الخشبي كدتُ معها أن أحطّمُه...
سيلا كررتْ :
" لماذا ؟ أخبرني "
و لما لم أجبها أقبلتْ نحوي مجددا و أمسكتْ بذراعي ّ الاثنتين و هتفتْ :
" أخبرني لماذا ؟؟ لماذا ؟؟؟ "
صرخت ُ بانفعال :
" لأنه حيوان... ألا تعرفين معنى حيوان ؟؟ "
سيلا تهزُّ رأسها و تقول:
" ماذا تخفي عنّي يا جونغكوك ؟؟ قلْ لي ؟؟ لماذا أخفيتَ هذا عنّي ؟؟ لماذا لم تخبرني لماذا ؟ "
و بدأتْ دموعها بالانهمار... شعرتُ بأني أختنق... الهواء من حولي لم يكن كافيا لملء رئتيّ... أبعدتُ يديها عني و أوليتُها ظهري و سرتُ متجها نحو مدخل المنزل...
نادتني سيلا:
" إلى أين تذهب ؟؟ لا تدعني هكذا يا جونغكوك... قل لي ما الذي تخفيه عنّي ؟؟"
لم أجبها فقد كنتُ من الضيق و الغضب ما يكفي لأن أدمّر مدينة بكاملها...
" جونغكوك إلى أين ؟ "
صرختُ :
" دعيني و شأني يا سيلا "
و أسرعتُ نحو الباب و غادرتُ المنزل...
الساعة آنذاك كانتْ منتصف الليل... و لم أكن لأغادر المنزل في مثل هذا الوقت لو أن الضيق لم يصل بي إلى حد الاختناق... كنتُ أريد أن أهدأ بعيدا... أعيد عرض الشريط و أركز فيما حصل... استوعب الحدث و أفكر فيه...
توجهتُ نحو البحر...أرفس رماله و أرجم أمواجه إلى أن أفرغتُ ما في صدري من ثورة في قلبه... و لو كان يتكلم لصرخ صرخة تصدعتْ لها كواكب المجرة من فرط الألم...
و كإنسانٍ مجردٍ من أي اعتبارات... على سجيته و فطرته... أطلقتُ العنان لدموعي... و بكيتُ بألم... تفقدتُ ساعتي فلم أجدها و تحسستُ جيوبي بحثا عن هاتفي فلم أعثر سوى على سلسلة مفاتيحي... السلسلة التي أهداني إياها تاي... لا أدري كم من الوقت مضى و لكني لمحتُ أول خيوط الفجر يتسلل عبر عباءة السماء...
عندما وصلتُ إلى المنزل... وجدتُه يغط في سكون مخيف... أردتُ أن أتفقد تاي و سيلا ... وجدتُ سيلا نائمة في غرفتها و قد تركتْ الباب مفتوحا و المصابيح مضاءة فاستنتجتُ أنها نامتْ بينما كانت تنتظر عودتي...
توجهتُ نحو غرفتي و توقفتُ عند الجدار الفاصل بين بابها و باب غرفة تاي و استعدتُ ذكرى الليلة الماضية و اشتعل الألم في معدتي...
ارتميتُ على سريري و عبثا حاولتُ النوم... لم أنم و لا لحظة واحدة و عاصرتُ بزوغ الشمس و مراحل سباحتها في كبد السماء ساعة ً ساعة أنه كان يوم إجازة و إلا لتغيبتُ عن العمل من شدة التعب... لم أفعلْ شيئا سوى التفكير و التفكير... و عند نحو العاشرة و النصف سمعتُ طرقا على الباب...
" تفضّل "
لقد كانتْ سيلا ... و على غير العادة لم نبدأ حديثنا بالتحية...
" هل استيقظتَ ؟ "
سألتني و وجهها يسبح في الحزن...
" بل قولي : هل نمتَ ؟ "
لم تعلق سيلا ، ثم قالتْ :
" أيمكننا التحدث الآن ؟ "
" تفضلي "
و بالطبع تعرفون عم سنتحدث...
" أريد أن أعرف... تفاصيل مقتل جونغ... و لم أخفيتَ الحقيقة عني... و ما علاقة كل هذا بتاي؟ "
تنهدتُ ثم قلتُ :
" هل... سيغير ذلك شيئا ؟ "
سيلا قالتْ بسرعة :
" بالطبع... سيغيّر الكثير... "
و لا أدري ما قصدتْ بذلك... و لم يعد يهمني ما قد يحدث.... في نظري الآن... لا شيء يستحق الاهتمام...
" حسنا يا سيلا.. لقد سبق و أن أخبرتُك بأنني انتظر الوقت المناسب لأطلعكِ على أمر مهم... و لم يعد هناك معنى للصمت بعد الآن "
" إذن ... اخبرني بكل شيء ... "
تنهّدتُ تنهيدة مريرة... خرجتْ من صدري عجوزا واهنة لم تجد ما تتكئ عليه... و سرعان ما هوتْ في أعماق الذكريات...
" قبل أكثر من تسع سنوات... قتلتُ جونغ... و دخلتُ السجن... و هناك تعرّفتُ إلى والدك... بمحض الصدفة... و قبل وفاته أوصاني بكِ و بأمكِ خيرا... و ماتَ و هو لا يعرف أنني... من قتل ابن أخيه أو ربما لا يعرف حتّى... أن ابن أخيه قد قُتِل "
كانتْ سيلا تصغي إلي باهتمام...
و عندما توقفتُ نظرتْ إلي بتعجب و قالتْ:
" هذا كل شيء ؟ "
قلتُ بضيق باد ٍ :
" نعم "
هزّتْ رأسها استنكارا و قالتْ:
" لا تخفي عنّي شيئا يا جونغكوك... اخبرني بالحقيقة كاملة "
" ماذا تريدين أن تعرفي ؟ "
" لماذا قتلتَ جونغ"
التزمتُ الصمت
" لماذا يا جونغكوك ؟ "
أجبتُ :
" فيم يهمّك ذلك ؟ "
" بالتأكيد يهمني أن أعرف "
قلتُ :
" لم يكن ذلك يهمّك ... سابقا "
صمِت ّ قليلا ثم قلتُ :
" أتذكرين ؟؟ ارتبطت ِ بي و لم تسأليني لِمَ دخلتُ السجن... و من قتلتُ... و لماذا .."
سيلا قالتْ :
" لكن... ذلك كان قبل أن أكتشف أن الضحية كان ابن عمّي "
هيجتني الجملة فهتفتُ منفعلا :
" الضحية ؟؟ تقولين عن ذلك الحقير الضحية ؟؟ "
حملقتْ سيلا بي ثم انطلق لسانها مندفعاً :
" هذا ما يثير جنوني... لماذا تنعته بالحقير و القذر؟ ماذا فعل؟ ماذا حصل؟ ما الذي كان بينكما؟ و لماذا قتلته؟ "
لم أجب...
" جونغكوك أجبني ؟ "
أشحتُ بوجهي بعيدا... لكنها حاصرتني من كل الجوانب
" لماذا لا تريد أن تجيب يا جونغكوك ؟؟ بدايةً... أنا لا أصدق أنك يمكن أن تقتل رجلاً مهما حصل... فلماذا قتلتَ ابن عمّي ؟ "
قلتُ منفعلا :
" لا تشيري إليه بـ ( ابن عمّي ) فهذا يثير التقزز يا سيلا "
" جونغكوك! "
قلت ُ بصبر نافذ :
" اسمعي يا سيلا... لا استطيع أن أفصح عن السبب... لقد قتلتُه و انتهى الأمر... و لستُ نادما... و لن أندم يوما على ذلك... "
ثم استطردت ُ :
" أرجوك ِ يا سيلا... أنا متعب للغاية... هذا يكفي الآن "
الحيرة تملكتْ سيلا ممزوجةً بالفضول الشديد... و أصرتْ على معرفة المزيد لكنني امتنعتُ عن البوح بالحقيقة...
فجأة سألتْ :
" هل... يعرف تاي ذلك ؟ "
و ربما للانفعال الذي ظهر على وجهي استنبطتْ هي الجواب دون أن أنطق...
ثم بدا عليها بعض التردد و قالتْ أخيرا :
" و ... هل ... لثروتي علاقة بذلك ؟ "
نظرتُ إليها مستغربا و سألتُ:
" ثروتك؟؟ ماذا تعنين؟ "
قالت :
" أعني... هل كنتَ تعرف... عن ثروة عمّي قبل زواجنا ؟ "
صُعقتُ من سؤالها... وقفتُ فجأة مذهولا كمن لدغته أفعى... قلتُ :
" ما الذي تقولينه؟؟ "
سيلا وقفتْ بدورها و أفلتتْ أعصابها منطلقة:
" أنا لا أعرف ما الذي أقوله... لا أعرف كيف أفكّر... قبل ساعات اكتشفتُ أن خطيبي هو قاتل ابن عمّي... و أنتَ تخفي عني الحقيقة... و ترفض البوح بشيء... كيف تريدني أن أفكّر ياجونغكوك أنا أكاد أجن ... "
حقيقة لم أرَ سيلا بهذه الحالة من قبل...
قلتُ بعصبية :
" لا علاقة لهذا بزواجنا يا سيلا... لا تذهبي بأفكارك إلى الجحيم "
صرختْ :
" إذن قل لي الحقيقة "
" أي حقيقة يا سيلا بعد ؟؟ "
" لماذا قتلتَ جونغ و لماذا أخفيتَ الأمر عنّي ؟؟ و لماذا لا تريدني أن أعرف السبب ؟ "
وضعتُ يدي على جبيني و ضغطت على صدغي ّ حائلا دون انفجارهما...
" لماذا يا جونغكوك ؟ "
صرختُ :
" أرجوك يا سيلا... لا تضغطي علي... لا استطيع إخبارك عن الأسباب... "
احمرّ وجه سيلا الأبيض غضبا و قالتْ و هي تهمّ بالمغادرة :
" سأعرفُ الأسباب... من تاي إذن "
و انطلقتْ نحو الباب
أبعدتُ يدي عن رأسي فجأة و تركتُه ينفجر صداعا قاتلا... و هتفتُ بسرعة :
" سيلا انتظري "
لكن سيلا كانت قد غادرتْ الغرفة و لالتصاق غرفتي بغرفة تاي سرعان ما مدّتْ ذراعها و طرقتْ باب تاي و نادته
أسرعتُ خلفها محاولا منعها
" توقفي يا سيلا إيّاكِ "
قلتُ ذلك و أنا أبعدُ يدها عن الباب...
" دعني يا جونغكوك... أريد أن أعرف ما تخفيانه عني... "
جذبتُ سيلا بقوة حتى آلمتُها و صرختُ بوجهها :
" قلتُ توقفي يا سيلا ألا يكفي ما فعلتِه بالأمس ؟؟ يكفي "
" أنا ؟ ما الذي فعلتُه ؟ "
" ما قلتِه لتاي عن ثروتكِ و عما ننفقه من ثروتكِ... و أنتِ تعلمين يا سيلا أنني احتفظ بسجل لكل المصروفات... و أنّ ما أعطيها إياه هو من راتبي أنا و مجهودي أنا... "
هنا فُتِح الباب و أطلتْ منه تاي... أول ما اصطدمتْ نظراتنا تولّد شرر أعشى عينيّ... هل رأيتموه ؟؟
حملقنا ببعضنا قليلا... و الطيور على رؤوسنا نحن الثلاثة...
أول ما تكلم تاي قال بحدة:
" نعم ؟ ماذا تريدان ؟ "
و نقلتْ بصرها بيننا... و لم ننطق لا أنا و لا سيلا...
قال تاي :
" من طرق بابي ؟ "
هنا أجابتْ سيلا :
" أنا "
سأل تاي بغضب:
" ماذا تريدين ؟ "
سيلا ترددتْ ثوانٍ لكنها قالت:
" سأسألك سؤالا واحدا "
هنا هتفتُ رادعا بغضب :
" سيلا ... قلتُ كلا "
التفتتْ إليّ سيلا محتجةً :
" و لكن يا جونغكوك"
فصرختُ مباشرة و بصرامة :
" قلتُ كلا ... ألا تسمعين ؟ "
ابتلعتْ سيلا سؤالها و غيظها و أشاحتْ بوجهها و انصرفتْ من فورها... لم يبقَ إلا أنا و تاي... و بضع بوصات تفصل فيما بيننا... و شريط البارحة يُعرض في مخيلتنا... عيوننا متعانقة و أنفاسنا مكتومة... تراجع تاي للخلف و همّ بإغلاق الباب ...
" انتظر "
استوقفتها... لم أكن أريدها أن تبتعد قبل أن أرتاح و لو قليلا...
" ماذا تريد ؟ "
سألني فقلتُ بلطفٍ و رجاء :
" أن نتحدّث قليلا "
فرد بحدة و جفاء :
" لا أريد التحدث معك... دعني و شأني "
و دخلتْ الغرفة و أغلقتْ الباب بهدوء... لكنني شعرتُ به يصفع على وجهي و أكاد أجزم بأن الدماء تغرق أنفي... جلستُ في الصالة مستسلما لتلاعب الأفكار برأسي تلاعب المضرب بكرة التنس... بعد ذلك رغبتُ في بعض الشاي علّه يخفف شيئا من صداع رأسي... هبطتُ إلى الطابق السفلي و إلى المطبخ حيث وجدتُ سيلا و خالتي تجلسان بوجوم حول المائدة... حييتُ خالتي و شرعتُ بغلي بعض الماء...
" جونغكوك "
التفتُ إلى سيلا .. التي نادتني و رأيتُ في وجهها تعبيرات الجد و الغضب...
" أريدُ العود إلى المزرعة "
حملقتُ في سيلا غير مستوعبٍ لجملتها الأخيرة هذه... سألتُ :
" ماذا ؟ "
أجابتْ بحزم :
" أريد العودة إلى المزرعة... و فورا "
التفتُ إلى خالتي فهربتْ بعينيها إلى الأرض... عدتُ إلى سيلا فوجدتُها تنتظر جوابي
قلتُ :
" ماذا تقولين ؟ "
" ما سمعتَ يا جونغكوك... فهل لا دبّرت أمر عودتنا أنا و أمي الآن ؟؟ و إذا لم تستطع مرافقتنا فلا تقلق. نستطيع تدبير أمورنا في المطار و الطائرة "
عدتُ أنظر إلى خالتي فرأيتُها لا تزال محملقة في الأرض...
" خالتي ... "
التفتتْ إلي فسألتُ :
" هل تسمعين ما أسمع ؟ "
الخالة تنهدتْ قليلا ثم قالتْ :
" نعم يا بني. دعنا نعود لأرضنا فقد طال بعدنا و أضنانا الحنين "
أدركتُ أن الأمر قد تمتْ مناقشتُه و الاتفاق عليه من قِبلهما مسبقا... عدتُ أكلم سيلا :
" ما هذا القرار المفاجئ يا سيلا... غير ممكن ... تعلمين ذلك "
سيلا قالت بحدة :
" أرجوك يا جونغكوك... لستُ أناقش معك تأييدك من عدمه... أنا فقط أعلمك عن قراري و أريد منك شراء التذاكر... "
" سيلا !! "
" و هذا قرار نهائي و لا تحاول ثنيي عنه...رجاء ً يا جونغكوك احترم رغبتي ..."
و عبثا حاولتُ ... و باءتْ محاولاتي بالفشل... و أصرتْ سيلاو أمها على العودة إلى المزرعة و بأسرع ما يمكن... تركتُ الماء يغلي و يتبخر و ربما يحرق الإبريق... و خرجتُ من المنزل... لم يكن لدي هدف و لكنني أرت الابتعاد قبل إثارة شجار جديد... حاولتُ إعادة تنظيم أفكاري و حلولي فأصابني الإعياء من كثرة التفكير... عندما عدتُ وقت زوال الشمس... كانتْ سيلا و خالتي قد حزمتا أغراضهما في الحقائب...
" بالله عليك يا سيلا... تعلمين أنه لا يمكنكما السفر... "
قالت :
" لماذا ؟ "
قلتُ :
" تعرفين لماذا... لا يمكن أن... نبقى أنا و تاي بمفردنا "
و كأن كلامي هذا أشعل الجمر في وجهها... إني لم أرَ سيلا غاضبة بهذا الشكل من ذي قبل...
" من أجل تاي ؟ لقد انتهينا يا جونغكوك... أنا لم يعد يهمني ما تفعله و ما لا تفعله من أجل تاي... دبر أموره بعيدا عني... لا علاقة لي بهذه الفتى من الآن فصاعدا "
و تركتني و غادرتْ المكان... وقفتُ حائرا غير قادر على التصرف... خاطبتني خالتي آنذاك :
" دعنا نذهب يا بني فهذا خيرٌ لنا "
قلتُ معترضا :
" كيف تقولين ذلك يا خالتي؟؟ تعرفين أن تاي يدرس في الكلية و لا يمكنني العودة بها إلى المزرعة و لا البقاء معها هنا وحيدين... أرجوكِ يا خالتي قدري موقفي... أرجوك ... اقنعي سيلا بتغيير قرارها المفاجئ هذا "
لكن خالتي هزتْ رأسها سلبا... و قالتْ:
" ابنتي متعبة يا جونغكوك... لقد لقيَتْ منك و من ابن عمّك الكثير... رغم كل ما تفعله من أجلك... أنتَ صدمتها بقوة... و صدمتني كذلك... دعنا نعود إلى مزرعتنا نتنفس الصعداء... "
لم أجرؤ على إطالة النظر في عينيها أكثر من ذلك... و لم أجسر على قول شيء... شعرتُ بالخجل من نفسي و أنا أقف حاملا ذنبي الكبير أمام كل ما فعلتْه عائلة نديم لي عبر كل تلك الشهور... كم أشعر بأنني خذلتهم... و صدمتهم... لكن... ألم يكونوا يعرفون بأنني قاتل مجرم خريج سجون؟؟ هل يفرق الأمر فيما لو قتلتُ جونغ عما لو قتلتُ غيره ؟؟ هل كان علي أن... أبوح بسري إلى سيلا منذ البداية؟؟
كان يوما من أسوأ أيام حياتي... حاولتُ النوم من جديد بلا جدوى... و حاولتُ الذهاب إلى تاي و لم أجرؤ... و حاولتُ التحدث مع سيلا فصدتني...
قبل غروب الشمس، ذهبتُ إلى أحد مكاتب شركة الطيران و حجزتُ أربعة تذاكر سفر إلى الشمال...
عدتُ بعد العشاء حاملا معي طعاما جلبتُه من أحد المطاعم... كنتُ أشعر بالجوع و التعب و آخر ما أكلته كان بعض المكسرات ليلة أمس... كما و أن سيلا لم تعد أي وجبة هذا اليوم...
" أحضرتُ أقراص البيتزا لنا جميعا... دعونا نتناولها فلابد أنكما جائعتان مثلي "
قلتُ ذلك و أنا أضع العلب الأربع على المنضدة في غرفة المعيشة، حيث كانت سيلا و الخالة تجلسان و تشاهدان التلفاز... الخالة ابتسمتْ ابتسامة سطحية أما سيلا فلم تتحرك... فتحتُ علبتِي و اقتطعتُ قطعة من البيتزا الساخنة و قضمتُها بشهية...
" لذيذة... تعالي يا سيلا خذي حصّتك "
و مددتُ باتجاهها إحدى العلب... سيلا لم تتحرك... فقلتُ مشجعا :
" إنها لذيذة بالفعل "
أتدرون بم ردّتْ ؟
" خذها لابن عمك... لابد أنه الآن يتضور جوعا و هو حبيس غرفته منذ البارحة "
فوجئتُ و اغتظتُ من ردّها... و ما كان منّي إلا أن وضعتُ العلبة على المنضدة مجددا و أعدتُ قطعتي إلى علبتها كذلك...
الجو غدا مشحونا... و حاولتْ خالتي تلطيفه فأقبلتْ نحوي و أخذتْ إحدى العلب... و وضعتها بينها و بين سيلا و بدأتْ بالأكل...
أما سيلا فلم تلمسها...
حملتُ العلبة الثالثة و قلتُ و أنا أغادر الغرفة:
" نعم... سآخذها إليه "
و لا أدري بم تحدثتا بعد انصرافي...
حالما طرقتُ باب تاي و تحدثتُ إليه :
" أحضرتُ لك قرص بيتزا... تفضل "
رد علي :
" لا أريد منك شيئا..."
امتصصتُ رده المر رغما عني، و أجبرتُ لساني على الكلام :
" لماذا يا تاي؟ إلى متى هل تريد الموت جوعا؟ "
و ردّ علي :
" أكرم لي من الأكل من ثروة الغرباء "
استفزني رده فطرقتُ الباب بانفعال و أنا أقول :
" ما الذي تقوله يا تاي؟ افتح الباب و دعنا نتحدّث "
لكنه صاح:
" دعن و شأني "
فما كان منّي إلا الانسحاب... مكسور الخاطر... استلقيتُ على أريكة في الصالة العلوية... وسط الظلام... لا أرى إلا السواد يلون طريقي و عيني و أفكاري...
و مرتْ الساعة بعد الساعة... و الأرق يأكل رأسي... و الإجهاد يمزق بدني و الجوع يعصر معدتي... و يهيج قرحتي... و لم يغمضْ لي جفن أو يهدأ لي بال...
بعد سكون طويل سمعتُ صوت أحد الأبواب ينفتح... لابد أنها تاي... إذ أن سيلا و الخالة تنامان في غرفتين من الناحية الأخرى من المنزل، بعيدتين عن الصالة و عن غرفتينا أنا و تاي... أصغيتُ السمع جيدا... شعرتُ بحركة ما... فقمتُ و حثثتُ الخطى نحو غرفة تاي... رأيتُ الباب مفتوحا و يبدو أنه قد غادر قبل ثوان...
وقفتُ عند الباب منتظرا عودته... و أنا بالكاد أحملُ جسدي على رجلي... و استندُ إلى الجدار الفاصل فيما بين غرفتينا ليمنحني بعض الدعم... كنتُ بحاجة لأن أراه و أكلمه و لو كلمة واحدة... عل ّ عيناي تأذنان بإسدال جفونهما...
بعد قليل أقبل تاي ... و انتفض حالما رأني... و كذلك أنا... تشابكتْ نظراتنا بسرعة... و انفكّت بسرعة!
تاي كان يحمل قارورة مياه معدنية... و كانت يرتدي ملابس النوم...
أبعدتُ نظري عنه بتوتر و أنا أتنحنح و أستديرُ نحو باب غرفتي و افتحه و أخطو إلى الداخل... على عجل... و من ثم أغلق الباب... بل و أوصده بالمفتاح !
وقفتُ خلف الباب لبعض الوقت... أتصبّب عرقا و اضطرب نفسا و أتزايد نبضا... و أشدّ و أرخي عضلات فكي في توتر... حتى سمعتُ باب غرفة تاي ينغلق... و نظرتُ إلى الجدار الفاصل بين غرفتينا... و اعتقد ... إن لم يكن السهر قد أودى بعقلي... أنني رأيتُ تاي من خلاله !
إنني أراه و أشعر بحركاته... و أحس بالحرارة المنبعثة منه أيضا !
مرتْ دقائق أخرى و أنا لا أزال أشعر به موجود حولي... أكادُ أجن... من أجل التحدث معه و الاطمئنان عليه... و لو لدقيقة واحدة...
و لم أستطع تجاهل هذا الشعور... فتحتُ بابي و خطوتُ نحو بابه و قبل أن يتغلب علي ترددي طرقته بخفة...
" تاي... "
لم اسمع الجواب... لكني متأكد من أنه لم ينم...
عدتُ و طرقته من جديد :
" تاي.. "
و سمعتُ صوته يجيبني على مقربة... بل إنني كدت ألمسه ! أظنه كان يهمسُ في الباب مباشرة !
" نعم ؟ "
ارتبكت ُ و تعثرتْ الكلمات على لساني...
" أأأ... إممم ... هل أنت نائم ؟ أعني مستيقظ؟ "
" نعم "
" هل... استطيع التحدث معك ؟ "
لم يجب تاي..فحدقتُ النظر إلى الموضع الذي يصدر منه صوته عبر الباب مفتشا عن كلامه! أعرف... لن تصدقوني ! لكنني رأيتُه أيضا ...
" ماذا تريد ؟؟ "
أجبت ُ بصوت ٍ أجش :
" أن أتحدّث معك.. قليلا فقط "
و لم يرد... قلتُ :
" أرجوك تاي... قليلا فقط "
و لم يجبْ... فكررتُ بنبرة شديدة الرجاء و اللطف :
" أرجوك... "
بعد ثوان انفتح الباب ببطء... كان صغيري ينظرُ إلى الأرض و يتحاشى عيني ّ... أما أنا فكنتُ أفتش عن أشياء كثيرة في عينيه... عن أجوبة لعشرات الأسئلة التي تنخُر دماغي منذ الأمس... عن شيء ٍ يطمئنني و يسكّن التهيّج في صدري... و يمحو كلماته القاسية ( أكرهك يا بليد ) من أذني ّ ....
" أنا آسف صغيري و لكن... أود الاطمئنان عليك"
ألقى تاي عليّ نظرة خاطفة و عادتْ يخبـّئ بصره تحت الأرض...
" هل أنت بخير ؟ "
أومأ إيجابا... فشعرت ُ ببعض ٍ من راحة ٍ ... ما كان أحوجني إليها...
" هل... يمكننا الجلوس و التحدث قليلا ؟ "
رفع نظره إليّ مستغرب، فهو ليس بالوقت المناسب للحديث ... و كنت ُ أدرك ذلك، لكنني كنت ُ غاية في الأرق و انشغال البال و لن يجد النوم لعيني ّ سبيلا قبل أن أتحدث معه...
" أرجوك...فأنا متعب... و أريد أن أرتاح قليلا... أرجوك"
ربما خرج رجائي عميقا أقرب إلى التوسل... كما خرج صوتي ضعيفا أقرب إلى الهمس... و تفهّم تاي ذلك و فسح لي المجال للدخول...
توجهت ُ مباشرة إلى الكرسي عند المكتب و جلست ُ عليه... و أشرتُ إليه:
" اجلس تاي "
فجلس هو على طرف السرير... حاولتُ تنظيم أفكاري و انتقاء الكلمات و الجمل المناسبة و لكن حالتي تلك الساعة لم تكن كأي حالة... لمحت ُ قارورة الماء نصف فارغة موضوعة على المكتب إلى جواري...
" تاي... ألا تشعر بالجوع ؟ "
سرعان ما نظرت إلي يعلوه الدهشة ! فهو ليس بالموضوع الذي يتوقع المرء أن يدور نقاشٌ طارئ ٌ في منتصف الليل حوله!
قلت ُ بحنان :
" يجب أن تأكل شيئا قبل أن تنام... "
عقــّبة هو باندهاش :
" أهذا كل شيء ؟؟ "
تأوهت ُ و قلت ُ:
" لا و لكن... أنت لم تأكل شيئا منذ ليلتين و أخشى أن يصيبك الإعياء يا تاي "
لم يتجاوب معي... فأدرت ُ الحديث إلى جهة أخرى...
" تاي.... مهما كان ما قالته سيلا... أو مهما كان شعورك نحوه... أو حتى نحوي... لا تجعل ذلك يزعزع من ثقتك... بأن ّ... بأن ّ... "
و تعلقت ْ الكلمات على طرف لساني برهة شعرتُ فيها بالشلل... ثم أتممت ُ جملتي بصوت أجش...
" بأنك... كما كن ت... و كما ستظل دائما... صغيري الذي... الذي... "
و تنهدتُ بمرارة...
" الذي ... أحبُ أن أرعاه و أهتم بجميع شؤونه مهما كانت... "
نظر إلي بتمعن و اهتمام... و لكنه لم يعلـّـق...
أضفتُ :
" و كل ما أملك يا تاي... قل ّ أم كثر... هو ملكك أنت أيضا و تحت تصرّفك... يا تاي... أنا لا آخذ شيئا من ثروة سيلا... إنما استلم راتبا كأي موظف... إنني احتل منصب المدير كما تعلم... و دخلي كبير... فلا تظن بأنني أحصل على المال دون عناء أو دون عمل... "
تاي قال فجأة:
" بل أنا من ... يحصل عليه دون عناء و دون عمل... و دون حق و لا مقابل "
ازداد ضيق صدري و لم يعد قادرا حتى على التنهّد...
سألته بمرارة و أنا أحس بعصارة معدتي تكاد تحرق حبالي الصوتية:
" لماذا يا تاي؟؟ لماذا دائما... تقول مثل هذا الكلام؟؟ ألا تدرك أنك... تجرح شعوري؟ "
تعبيرات تاي نمّتْ عن الندم و الرغبة في الإيضاح... و لكن لا أعرف لم انعقد لسانه...
قلتُ :
" تاي... أنا ... لطالما اعتنيتُ بك... ليس لأن من واجبي ذلك... حتى في وجود والدي ّ ... و حتى و أنت مرتبط ... و أنت طفل و أنت بالغ و أنت في كل الأحوال و مهما كانت الأحوال... دائما يا تاي... أنت صغيري الذي أريد و لا شيء يبهجني في حياتي أكثر من ... أن اعتني به... كجزء ٍ لا يتجزأ منّي يا تاي... "
أجهل مصدر الجرأة التي ألهمتني البوح بهذه الكلمات الشجية وسط هذا الظلام الساكن...
تلعثمتْ التعبيرات على وجه تاي... أهو سعيد أم حزين؟ أهو مصدق أم مكذب؟ لا يمكنني الجزم...
سألني و كأنه يريد أن يستوثق من حقيقة تيدركها... ليطمئن قلبه :
" صحيح... جونغكوك ؟ "
لم أشعر بأن إجابتي من كل هذا البعد ستكون قوية ما يكفي لطمأنته... وقفتُ... سرتُ نحوه... أراه أيضا بعيد.. أجثو على ركبتيّ... تصبح عيناي أقرب إلى عينيه... تمتد يداي و تمسكان بيديه... ينطق لساني مؤكدا :
" صحيح يا تاي... و رب .. الذي سيحاسبني عن كل آهة تنفثينها من صدرك بألم... و عن كل لحظة تشعر فيها باليتم أو الحاجة لشيء و أنا حي على وجه الأرض... لا تزيد من عذابي يا تاي... أنا لا استطيع أن أنام و في صدرك ضيق و لا أن أهدأ و في بالك شاغل... و لا حتى أن آكل و أنت جائع يا تاي... أرجوك... أريحني من هذا العذاب... "
لم أشعر إلا ويدا تاي تتحرران من بين يدي و تمسكان بكتفي ّ
" جونغكوك..."
امتزجتْ نظراتنا ببعضها البعض... و لم يعد بالإمكان الفصل فيما بينها... عينا تاي بدأتا تبرقان باللآلئ المائية...
قلتُ بسرعة :
" لا تبكي أرجوك "
تاي ربما ابتلع عبراته في عينيه و سحب يديه و شبك أصابعه ببعضها البعض... ثم طأطأتْ رأسه هارب من نظراتي...
ناديتُه مرة و مرتين...لكنه لم يرفع عينيه إلي ّ... ولم يجبني...
" تاي... أرجوك... فقط ... قول لي أنك بخير حتى أذهب مرتاحا... أنا بحاجة للنوم... كي أستطيع أن أفكر... لا استطيع التفكير بشيء آخر و أنا... قلق عليك "
أخيرا تاب رفعت عينيه و نظر إليّ...
" هل ... أنت بخير ؟؟ "
هزّ رأسه و أجابه :
" نعم ... بخير "
تنهدتُ ببعض الارتياح... ثم قلتُ :
" جيد... لكن... يجب أن تتناول بعض الطعام قبل أن تنام... هل أعيد تسخين البيتزا؟؟"
قال مباشرة :
" لا... لا ..."
قلتُ :
" إذن... تناول أي شيء آخر قبل أن تنام... رجاء ً "
نظر إلى الأرض و أومأ إيجابا...
تأملتُه برهة عن قرب... ثم وقفتّ و أعدت ُ تأمّله من زاوية أبعد... و مهما تبعد المسافات... إنه إلى قلبي و كياني أقرب... و أقرب... أقرب من أن أقوى على تجاهل وجوده و لو لبرهة واحدة... أقرب من أن أستطيع أن أغفو دون أن أحس بحرارة قربه... في جفوني... و أقرب من أن أسمح لصدى ( أكرهكَ يا بليد ) بأن... يبعده عنّي...
قلتُ :
" حسنا صغيري... سأتركك تأكل و تنام... "
و خطوتُ نحو الباب... ثم عدتُ مجددا أتأمله... راغبا في مزيد من الاطمئنان عليه... متمسكا بآخر طيف له... يبرق في عيني ّ...
" أتأمر بشيء ؟ "
تاي حرك عينيه إليّ... ثم قال:
" كلا... شكرا "
فقلتُ :
" بل ... شكرا لك أنت صغيري... و اعذرني... "
و ختمتُ أخيرا :
" تصب على خير "
و غادرتُ غرفته عائدا إلى غرفتي...
رميتُ أطرافي الأربعة على سريري ناشدا الراحة... لكني لم أحصل حقيقة عليه ... لم تكن جرعة تاي كافية لتخدير وعيي... و لليلة الثانية على التوالي أعاصر بزوغ الفجر و أشهد مسيرة قرص الشمس اليومية تشق طريقها ساعة ً ساعة ... عبر ساحة السماء...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تاي :
صحوت ُ من نومي القصير و أنا أشعر بدوار شديد و رجفة في أطرافي... و إجهاد و ضعف عام في عضلاتي... لم استطع التحرك عن موضعي في السرير... لابد أن السبب هو الجوع فأنا لم آكل شيئا منذ ليلة شجاري مع الشقراء... و بالرغم من أن جونغكوك نصحني بالطعام البارحة إلا أنني لم أكن أشعر بأي شهية له
هذا إضافة إلى تأثير السهر و الأرق... اللذين لم يبرحاني مذ حينها...
كلّما حاولتُ الحركة ازداد الدوار... و تسارعتْ خفقات قلبي ... و صعُبَ تنفسي...إنه ذات الشعور الذي داهمني يوم فرارنا حفاة من من المدينة ... و تشردنا جياعا عطشى في البر... أمن أحد ليساعدني؟ أريد بعض الماء ... أريد قطعة خبز... أكاد أفقد وعيي...! أغمضتُ عيني و تنفستُ بعمق و حبستُ الهواء بصدري كي أمنع عصارة معدتي من الخروج... و زفرتُ أنّة طويلة تمنيتُ أن تصل إلى مسامع جونغكوك... لكن الجدار الفاصل بيننا بالتأكيد امتص أنيني...
بعد قليل سمعتُ طرقا على الباب... معقول أنه جونغكوك قد سمعني؟ ...!
استجمعتُ بقايا قوتي و قلتُ مباشرة:
" ادخل "
لم أكن ارتدي غير ملابس النوم ؟؟ لففتُ لحافي حولي عشوائيا و كررتُ:
" ادخل "
انفتح الباب ببطء و حذر...
قلتُ بسرعة مؤكد :
" تفضل "
بسرعة... أنقذني... و أنا انظر نحو الباب... بلهفة... أتدرون من ظهر؟ إنها سيلا... فوجئتُ بها هي تدخل الغرفة... قالتْ و هي تقفُ قرب الباب :
" أريد أن أتحدّث معك "
أغمضتُ عيني... إشارة إلى أنني لا أريدها... إلى أنني متعبة... إلى أنني لم أكن أنتظرها هي... و لم أكن لأطلب العون منها...
قالتْ :
" هو سؤال واحد أجيبيه و سأخرج من غرفتك "
قلتُ و أنا أزفر بتعب :
" أخرجي "
لكن سيلا لم تخرج... فتحتُ عيني ّ فوجدتها تقتربُ منّي أكثر... أردتُ أن أنهض فغلبني الدوار... أشحتُ بوجهي بعيدا عنها... لا أريد أن أراها و لا أريد أن تراني بهذه الحالة...
سيلا قالتْ :
" فقط أجبني عن هذا السؤال يا تاي... يجب أن تجيبني عليه الآن... "
لم أتجاوب معها حلّي عني يا سيلا ! ألا يكفي ما أنا فيه الآن ؟؟ إنني إن استدرتُ إليك فسأتقيأ على وجهك الجميل هذا...
" تاي"
نادتني
فأجبتُ بحنق :
" ماذا تريدين منّي ؟ "
قالتْ :
" أخبرني... أتعرف.. لماذا ... قتل جونغكوك جونغ .؟ "
انتفض جسمي كلّه فجأة... و الخفقات التيكانت تهرول في قلبي صارتْ تركض بسرعة... بأقصى سرعة... التفت ُ إلى سيلا ... أو ربما الغرفة هي التي دارتْ و جعلتْ وجهها مقابل وجهي... لست ُ أكيدة...
حملقتْ سيلا بي ثم قالتْ :
" تعرف السبب... أليس كذلك ؟ أنا واثقة..."
هززتُ رأسي نفيا... أريد محو السؤال و محو صورتها و محو الذكريات التي كسرتْ الباب و اقتحمتْ مخيّلتي فجأة ... هذه اللحظة...
قالت سيلا:
" بل تعرف... تصرفاتك و انفعالك يؤكد ذلك يا تاي... أنا واثقة من هذا... لا أعرف لم أنتما مصران على إخفاء الأمر عنّي... لكن... "
هتفتُ :
" كفى..."
سيلا قالتْ بإصرار :
" للأمر... علاقة بك أنت ... أليس كذلك ؟؟ "
صرخت ُ و أنا أحاول صم أذني ّ عن سماع المزيد... و إعماء عيني عن رؤية شريط الماضي...
" يكفي "
لكن سيلا تابعتْ :
" أخبرني يا تاي... يجب أن تخبرني... لماذا قتل جونغكوك جونغ... و ما علاقتك أنت بهذا ... لماذا صرخت حين رأيت صورته معلقة على جدار المكتب؟؟ و لماذا تنعتانه أنتما الاثنان بالحقير؟؟ ماذا فعل؟؟ ما الذي ارتكبه و جعل جونغكوك... يقتله انتقاما؟؟ أنت تعرف الحقيقة... أليس كذلك؟؟ من حقي أن أعرف... أخبرني ... "
" كفى... كفى ... كفى ... "
صرختُ و أنا أضغط بيدي كلتيهما بقوة على صدغي ّ محاولة منع الذكرى المريرة الملغومة من الانفجار في رأسي...
آنذاك... ظهر لي وجه جونغ في الصورة... نعم... لقد رأيتُه يقترب منّي... رأيتُ يديه تمتدان نحوي... قفزت ُ عن سريري مفزوعة... صرختُ ... رأيت ُ الجدران تتصدع إثر صراخي... رأيتُ السقف ينهار... و الأرض تهتز ... أحسست ُ بعيني تدور ... و الغرفة تدور... و شعرت ُ بيد ٍ ما تمتد ُ نحوي... تحاول الإمساك بي... إنها... يد جونغ !
" لا... لا... لاااااااااااااا "
____________________________
جونغكوك :
على هذه الصرخات انتفضتُ و رميتُ بفرشاة أسناني جانبا و خرجتُ من الحمام مسرعا مبتلعا بقايا المعجون دفعة واحدة و مطلقا ساقي ّ للريح... نحو غرفة تاي... كان الباب مفتوحا و الصراخ ينطلق عبره... مفزِعا... اقتحمتُ الغرفة فورا و رأيتُ تاي واقفة عند سريره ممسك برأسه بكلتا يديه و يصرخ مذعور ... فيما سيلا واقفة مذهولة إلى جواره معلقة يديها في الهواء...
" تاي ؟؟ "
هرولتُ باتجاهه مفزوعا طائر العقل ... و رأيتُ يديه تبتعدان فجأة عن رأسه و تمتدان نحوي... و في ثوانٍ... يخطو إلي ّ... و يهوي على صدري... و يطبق علي ّ...
تعثر قلبي الراكض و انزلق أرضا بعنف... جراء الموقف... كنتُ مذهولا ... لا أعرف و لا أدرك ما يحصل من حولي...
" تاي؟؟ "
صرخت ُ فزعا... و أنا ألتقطه بين ذراعي فجأة و أضمه إلي ّ و أشعر بصراخه يخترق أضلاع قفصي الصدري...
" صغيري ...صغيري ...اخربني ماذا حصل تاي...؟ "
حاولت ُ إبعاد رأسه كي أنظر إلى عينيه لكنه غاص بداخلي بعمق ... بقوة و هو يصرخ:
" أبعده عني... أبعده عنـّـي ... أبعده عنـّـي "
ألقيتُ نظرة خاطفة على سيلا فرأيتها مجفلة فزعة محملقة بعينيها...
صرختُ :
" ماذا حصل ؟ "
لم تقو َ على الكلام...
صرختُ ثانية :
" ماذا حصل ؟؟ يا سيلا؟؟ "
تأتأتْ سيلا :
" لا... أدري... "
أبعدتُ رأس تتي عن صدري فلم تقاوم... نظرتُ إلى عينيه أريد أن أسأله عمّا حصل... فإذا بهما تحملقان في الفراغ... و إذا بذراعيه تهويان فجأة على جانبيه... و إذا به ينزلق من بين يدي...
بسرعة أمسكتُ به و أنا أصرخ:
" تاي... تاي "
رفعتُه إلى السرير و جعلتُ أخاطبه و أهزه ... لكن عينيه كانتا تبحلقان في اللاشيء... و فجأة دارتا للأعلى و انسدل جفناه من فوقهما...
" تاي....تاي... ما بك ... صغيري أجبني "
لكنه لم يجب...
صرختُ بانفعال :
" أجبني يا تاي... تاي ...أرجوك... "
و أنا أهزه بعنف محاولا إيقاظه... لكنه... بدأ فجأة كالميت.... تزلزل قلبي تحت قدمي مرتاعا و صرختُ مذهولا:
" يا إلهي... مات صغيري مات ..."
و أنا مستمر في هزّه بعنف دون جدوى...
التفتُ إلى سيلا و صرختُ بقوة:
" طبيب... إسعاف... ماء ... افعلي شيئا... احضري شيئا ... تحركي بسرعة "
و سيلا واقفة كالتمثال ... متجمدة في فزع ..
صرختُ :
هيا بسرعة "
تحركتْ سيلا باعتباط ... يمينا يسارا حتى إذا ما لمحتْ قارورة الماء تلك على المكتب... أسرعتْ إليها و جلبتها لي رششتُ الماء على وجه تاي ... بل إنني أغرقتُه و أنا لا أزال أهزه و أضرب خديه بقوة... حتى ورّمتهما.... تاي فتح عينيه فناديته مرارا لكنه لم يكن ينظر إليّ أو حتى يسمعني... بدى و كأنه يسبح في عالم آخر...
" تاي... أتسمعنني؟؟ رد عليّ... رد عليّ يا تاي أرجوك... "
و لم يتجاوب معي... بسرعة قربتُ من فمه قارورة الماء و طلبتُ منه أن يفتحه و يشرب... تاي لم يحرك شفتيه... بل عادة و أغمض عينيه... لكنه لا يزال تتنفس... و لا يزال الشريان ينبض في عنق بعنف... أبعدت ُ القارورة و رحت ُ أحرك رأسه يمينا و شمالا بقوة ... محاولا إيقاظه... و التفتُ إلى سيلا آمرا :
" أحضري بعض السكّر "
وقد تفجرتْ فكرة هبوط السكر في بالي فجأة...
سيلا حدّقت بي ببلاهة... غير مستوعبة لشيء فهتفتُ:
" السكر يا سيلا... بسرعة "
وانطلقتْ أخيرا خارج الغرفة و عادتْ بعد ثوان تحمل علبة السكّر... كان تاي لا يزال شبه غائب عن الوعي على ذراعي... تناولتُ علبة السكر بسرعة و سكبتُ كمية منه داخل القارورة و رججتها بعنف... ثم قرّبتها من تاي مجددا :
" تاي... أتسمعنني؟؟ افتح فمك..."
لكنه فتح عينيه و نظر إليّ... رأس تاي كان على ذراعي اليسرى و القارورة في يدي اليمنى... ألصقتُها بشفتيه و قلتُ:
" هيا يا تاي...افتح فمك "
لم تع ِ تاي كلامي... رفعت ُ رأسه و فتحت ُ فمه بنفسي... و دلقت ُ شيئا من الشراب فيه...
" اشرب...."
عينا تاي أوشكتا على الإغماض... فهززته بقوة :
" أوه لا... لا تنام الآن... أفيق... اشرب هيا... "
و رفعت ُ رأسه للأعلى أكثر... حينه وصل الشراب إلى بلعومه فسعل... و ارتد الشراب إلى الخارج... فتح تاي عينيه و بدا و كأنه استرد شيئا من وعيه إثر ذلك...
قربت ُ القارورة من فمه مجددا و قلتُ:
" أتسمعنني يا تاي ؟؟ اشرب... أرجوك..."
سكبتُ كمية أخرى في فمه فابتلعه تاي فجأة... ثم فجأة رأيتُ المزيج يخرج من فمه و أنفه... و ينسكب مبللا وجهه و ملابسه...
" أوه يا تاي.... كلا... كلا...."
ضممتُه إلى صدري بهلع ... بفزع... بعشوائية... و بانهيار... كان طري كالورقة المبللة...
غمست ُ يدي في علبة السكّر و أخذتُ حفنة منه... و رفعتُها نحو فمه المفغور و نثرتُه فيه... مبعثرا الذرات على وجهه المبلل و على عنقه و ملابسه و في كل مكان من شدّة اضطرابي...
" ابلعه... أرجوك... أرجوك يا تاي... "
عدتُ و أخذتُ كمية أخرى و حشوتُ فمه بها... و أغلقتُه بيدي... و هو مستسلم لا يقاوم... و لا يظهر على قسمات وجهه أية تعبيرات... كأنه تمثال من الورق الذابل... كان... كالميت على ذراعي... عدتُ أخاطبه فخرج صوتي مبحوحا ممزقا... و كأن حفنة السكر تلك قد انحشرتْ في حنجرتي أنا... و أعطبتْ حبالي الصوتية...
" ابلعه يا تاي... أرجوك... يجب أن تبلعه... يا إلهي ماذا جرى لصغيري ؟؟ "
أبعدتُ رأس تاي عنّي قليلا... فرأيتُ عينيه نصف مفتوحتين تحملقان في اللاشيء ... و فمه مفتوح تنساب من زاويتيه قطرات اللعاب ممزوجة بحبيبات السكر.... و شيئا فشيئا بدأتْ يحرّك عينيه و فمه و يستعيد وعيه...
" تاي ... "
صحت ُ بلهفة... و أنا أرى عينيه تدوران في الغرفة و من ثم تنظران إلي ّ
" تاي .. تاي... هل تسمعنني ؟؟ "
تاي ينظر إلي... إذن فهيو يراني... و يسمعني... فمه أراه يتحرك و يبتلع السكر...
بسرعة تناولت ُ قارورة المزيج تلك و ألصقتُها بفمه مباشرة و قلتُ :
" اشرب ... أرجوك... أرجوك... "
شرب تاي جرعة ... و ابتلعتْه... تلته جرعة أخرى... أبعد ُ القارورة و أعدتُ رجه بقوة... ثم قربتُه من شفتيه و طلبتُ منه أن يشرب المزيد...
" اشرب... قليلا بعد يا تاي... هيا ... "
حتى أرغمتُه على شرب المزيج كاملا... و قد تجاوب منقاد و نصف واعية على ذراعي... و هو على ذراعي... استردّ وعيه تدريجيا... و هو على ذراعي... كان يتنفس بقوة... و اضطراب... و يرتعش كعصفور يحتضر... و هو على ذراعي... انحدرتْ من عيني دمعة كبيرة... بحجم السنين التي فرقتْ فيما بيننا... و هو على ذراعي... و أنا ممسك به بكل قوتي و كل ضعفي... مخافة أن ينزلق من بين يدي... مخافة من أن يبعده القدر عني... مخافة من أن أفقده هذه المرة... للأبد...
لقد كان شبه ميت بين يدي... تاي الحبيب.. طفلي الغالي... منبع عواطفي و مصبها.شبه ميت... على ذراعي ؟؟
" هل تسمعنني يا تاي ؟ أتسمعنني ؟ "
سألتُه عندما رأيتُه يحدّق بي... بدا و كأنهامشوش و غير قادر على التركيز... أخذ يدور بعينيه على ما حوله... توقف برهة يحملق في سيلا... و أخيرا عاد إلي...
" أخبرني... هل أنت بخير؟؟ أتسمعنني؟؟ أتستطيع التحدّث؟ رد عليّ يا تاي أرجوك... "
" جونغكوك.. "
أخيرا نطق...
قلتُ بلهفة :
" نعم روح جونغكوك... أأنت بخير؟؟ كيف تشعر؟ "
تاي أغمض عينيه بقوة... كأنه يعتصر ألما... ثم غمر وجهه في صدري... و شعرتُ بأنفاسه الدافئة تتخلخل ملابسي... كما أحسستُ بالبلل يمتصه قميصي... من وجهه...
حركتُ يدي نحو كتفه و ربتُ بخفة:
" تاي...؟؟ "
تجاوب تاي معي... أحسستُ بهمسها يصطدم بصدري... لم أميّز ما قال أولا... لكنه حين كررت الجملة استطاعتْ أذناي التقاطه ...
" أبعده عنّي... "
توقفتُ برهةً أفتشُ عن تفسيرٍ لما سمعتُ... سألتُه بحيرة و عدم استيعاب :
" أُبعِدُهُ عنك ؟؟ "
كرر تاي ... و هو يغمرُ وجهه أكثر في ثنايا قميصي :
" أَبعدهُ عنّي ... "
قلتُ مستغربا :
" من ؟؟ "
سرتْ رعشة في جسد تاي انتقلتْ إليّ ... نظرتُ إلى يده الممدودة جانبا فرأيتُها ترتجفُ... و رأيتُها تتحرك نحوي و تتشبثْ بي... كانتْ باردة كالثلج... و أيضا أحسستُ برأسه ينغمسُ في داخلي أكثر فأكثر... ثم سمعتُها يقول بصوتٍ مرتجف واهن:
" جونغ "
آن ذاك... جفلتُ و تصلبتْ عضلاتي فجأة... و تفجرتْ الدهشة كقنبلة على وجهي... حركتُ يدي إلى رأسه و أدرتُه إليّ... لأرى عينيه... فتح هو عينيه و نظر إليّ...
قلتُ :
" من ؟؟ "
فردّتْ :
" جونغ... أبعده عنّي... أرجوك "
اختنق صوتي في حنجرتي بينما ارتجّتْ الأفكار في رأسي...
قلتُ :
" جونـ....غ ؟؟ لكن... "
و لم أقوَ على التتمة... ماذا جرى لصغيري ؟ ما الذي يهذي به ؟؟
قال :
" أبعده... أرجوك "
ازدردتُ ريقي بفزع و أنا أقول :
" أين... هو ؟ "
تاي حرك عينيه و نظر نحو سيلا.. ثم هز رأسه و أغمض عينيه و عاد و غمر وجهه في صدري و هو يصيح :
" أبعده عني... أبعده عنّي... جونغكوك أرجوك..."
آنذاك... شعرتُ بأن خلايا جسمي كلها انفصمتْ عن بعضها البعض و تبعثرتْ على أقطار الأرض... و فشلتُ في جمعها...
البقايا المتبقية لي من قوة استخدمتُها في الطبطبة على تاي و أنا أردد :
" اهدأ... اهدأ يا تاي.. ماذا حل بك؟ ...هل رأيت كابوسا ؟؟ "
تاي كرر مجددا و هذه المرة و هو يبكي و يشدّ ُ الضغط عليّ متوسلة:
" أبعده يا جونغكوك... أرجوك... لا تتركني وحيد... لا تذهب..."
" أنا هنا يا تاي... صغيري ... يا إلهي ماذا حصل لك ؟ هل تعين ما تقول؟ "
أبعد تاي رأسه قليلا و وجه نظره إلى سيلا و صاح مجددا:
" أبعده أرجوك... أرجوك... أنا خائف... "
جُن ّ جنوني و أنا أرى الصغير بهذه الحالة المهولة يرتجف ذعرا بين يدي ... هتفتُ بوجه سيلا :
" ماذا فعلت بالصغير يا سيلا ؟ "
سيلا واقفة مدهَشة متجمدة في مكانها تنظر إلينا بارتباك و هلع...
صرخت ُ :
" ماذا فعلت يا سيلا تكلّمي ؟ "
ردتْ سيلا باضطراب:
" أنا ؟؟ لا شيء... لم أفعل شيئا "
قلت ُ آمرا بصرامة :
" انصرفي الآن ... "
حملقتْ سيلا بي مذهولة فكررت ُ بغضب :
" انصرفي هيا ... "
حينها خرجتْ سيلا من الغرفة... و بقينا أنا و تاي منفردين... يمتص كل منا طاقته من الآخر... كان الصغير لا يزال تئن مراع في حضني... حاولتُ أن أبعده عنّي قليلا إلا أنه قاومني و تشبث بي أكثر... لم استطع فعل شيء حيال ذلك... و تركها كما هو... هدأتْ نوبة البكاء و الروع أخيرا... بعدها رفع تاي رأسه إلي و تعانقتْ نظراتنا طويلا...
سألتُه :
" أأنت بخير ؟ "
فأومأ إيجابا...
" كيف تشعر ؟ "
" برد ... "
قال ذلك و الرعشة تسري في جسمه النحيل... جعلتُه تضطجع على الوسادة و غطيته باللحاف و البطانية... و درتُ ببصري و انتبهتُ لحبيبات السكر المبعثرة على وجهه و شعره... و ببساطة رحتُ أنفضها بأصابعي... كان وجهه متورما محمرا من كثرة ما ضربته! أرى آثار أصابعي مطبوعة عليه !... آه كم بدا ذلك مؤلما... لقد شقّ في قلبي أخدودا عميقا... أنا آسف يا صغيري...سامحني...
" ستشعر بالدفء الآن... "
سحبت ُ الكرسي إلى جوار السرير و جلستُ قرب تاي أراقبه... إنه بخير... أليس كذلك؟ هاهو يتنفس... و هاهما عيناه تجولان في الغرفة... و هاهو رأسه يتحرك و ينغمر أكثر و أكثر في الوسادة... لابد أنه هبوط السكّر... فقد مر تاي بحالة مشابهة من قبل... لكنه لم يكن يهذي آنذاك... هل كان كابوسا أفزعه؟؟ هل قالتْ له سيلا شيئا أثار ذعره؟؟ ماذا حصل؟؟ لابد أن أعرف...
انتظرتُ حتى استردد أنفاسي المخطوفة... و استرجعتُ شيئا من قواي الخائرة... و ازدردت ُ ريقي الجاف إلا عن طعم المعجون الذي لا يزال عالقا به... و استوعبتُ الموقف، ثم خاطبتُ تاي :
" تاي "
التفت تاي إلي ّ فسألتُه:
" ماذا... حصل ؟ "
كنتُ أريد الاطمئنان على وعيه و إدراكه... و معرفة تفسير ما حدث... تاي نظر إلي ّ نظرة بائسة... ثم قال و صوته هامس خفيف:
" شعرت ُ بالدوار منذ استيقاظي... و عندما وقفت ُ أظلمتْ الصورة في عيني ّ و فقدت ُ توازني... "
ثم أضاف :
" لم آكل شيئا... أظن أنه السبب "
ثم تنهّدتْ باسترخاء... قلتُ :
" أهذا كل شيء؟"
قال :
" نعم "
" و أنت الآن... بخير ؟؟ "
أجاب :
" نعم... بخير "
تنهدتُ شبه مطمئنا و قلتُ :
" جيد ..."
و أضف :
" لقد أفزعتني..."
نظر هو إليّ ثم غض بصره اعتذارا...
قلتُ :
" المهم أنك بخير الآن "
عقب :
" افضل "
سكتُ قليلا و الطمأنينة تنمو في داخلي، ثم استرسلتُ :
" إذن... لم تأكل شيئا البارحة.. أليس كذلك ؟ "
و لم أرَ على وجهه علامات الإنكار...
قلت ُ معاتبا و لكن بلطف:
" لماذا يا تاي؟ لم تسمع كلامي... أتريد إيذاء نفسك؟؟ انظر إلى النتيجة... لقد جعلت الدماء تجف في عروقي هلعا..."
حملق تاي بي لبرهة أو يزيد... ثم نقل بصره إلى اللحاف بعيدا عنّي... تأسفا و خجلا... لم يكن الوقت المناسب للعتاب.. لكن خوفي عليه كاد يقتلني... و أريد أن أعرف ما حصل معه...
قلت ُ :
" أحقا هذا كل ما في الأمر ؟ "
عاد تاي ينظر إليّ مؤكد :
" نعم... لا تقلق... أنا بخير الآن "
سألت :
" و سيلا... ماذا كانت تفعل هنا ؟ "
أجهل معنى النظرات التي وجهها تاي نحوي... لكنني رجّحت ُ أنه لا يود الإجابة... احترتُ في أمري... أردت ُ أن أسأله عما جعله يشير إليها كـ جونغ.. و لم أجرؤ...
قلتُ أخيرا... و أنا أهب ُ واقفا :
" حسنا... دعيني أحضر لك شيئا تأكله "
و هممتُ بالانصراف غير أن تاي نادني:
" جونغكوك... "
التفتُ إليه و رأيتُ الكلام مبعثرا في عينيه... لا أعرف ماذا كان يود القول... غير أنه غيّر حديثه و قال:
" أنا آسف "
ابتسمتُ ابتسامة سطحية و قلتُ مشجعا :
" لا عليك "
ابتسم هو بامتنان و قال :
شكرا لكَ "
و غادرت ُ الغرفة... مطمئن البال نسبيا و اتجهتُ إلى المطبخ...
هناك حضرت ُ الشاي و فتشتُ عن بعض الطعام فوجدت ُ علب البيتزا التي كنتُ قد اشتريتها بالأمس و لم تُمس... و عدا عن العلبة التي تناولتـْها خالتي ليندا، فإن البقية كما هي قمت ُ بتسخين أحد الأقراص على عجل... و انطلقتُ حاملا الطعام إلى تاي...
كان على نفس الوضع الذي تركتُه عليه... جلست ُ على المقعد إلى جواره و قدّمتُ له الوجبة
" تفضل... اشرب بعض الشاي لتدفئي "
جلس تاي و أخذ يحتسي الشاي جرعةً جرعة... وهو ممسك بالكوب بكلتا يديه...
" هل تشعر بتحسّن ؟ "
حرك رأسه إيجابا
قلتُ :
" جيّد..... تناول بعضا من هذه ... لتمنحك بعض الطاقة "
و قربتُ إليه إحدى قطع البيتزا ... فأخذها و قضم شيئا منها...
سألتُه :
" أهي جيّدة ؟ لا أعتقد أن طعمها قد تغيّر ؟ "
أتعرفون كيف ردّت تاي ؟؟ لا لن تحزروا... !
فوجئتُ بتاي و قد قرب قطعة البيتزا ذاتها إلى فمي... يريدُ منّي أن أتذوقها!
اضطربتُ، و رفعتُ يدي لأمسك بالقطعة فأبعد تاي القطعة عن يدي... و عاد و قرّبها إلى فمي مباشرة !
الصغير يريد أن يطعمني بيده !
نظرتُ إليه و قد علا التوتر قسمات وجهي كما لوّنته حمرة الحرج... و تاي لا يزال معلّقة البيتزا أمام فمي...
أخيرا قلتُ :
" كـُـ... كليه أنت تاي"
و لو ترون مدى الامتقاع و التعبيرات المتعسة التي ظهرت على وجهه !
و إذا به يقول:
" لا تريد أن تأكل من يدي ؟ "
فاجأني سؤاله في وقت لم أصح ُ فيه بعد من مفاجأة تصرفه... و لا مفاجآت حالته هذا الصباح... إنّ شيئا ألمّ بالصغير... يا رب... لطفك ...
رفعتُ حاجباي دهشة... و تلعثمتْ الحروف على لساني...
" أأأ... تاي... إنه... أنا... "
تاي... ماذا جرى لك اليوم ؟؟ ماذا أصابك ...؟ أنت تثير جنوني... تثير فزعي... تثير مخاوفي ... تثي شجوني و آلامي و ذكريات الماضي... ماذا دهاك يا تاي ؟؟ بربّك... أخبرني ؟؟
كنتُ على وشك أن أنطق بأي جملة... تمتّ ُ أو لا تمتُ للموقف بصلة إلاّ أن تاي سبقني و قال منفعل:
" لكنك تأكل من يدها... أليس كذلك ؟ "
ذهلتُ لجملها هذه ... أيما ذهول... تاي لم يبعد يدها بل قربها مني أكثر .. لا بل ألصق البيتزا بشفتي و نظراته تهددني... حملقتُ به بدهشة و قلق... شيء ما قد حلّ بصغيري... ماذا جرى له ؟ يا الهي...
" تاي... "
لما رأتْ تاي استنكاري... أبعدتْ البيتزا عني، و وجهه شديد الحزن تنذر عيناه بالمطر... و فمه قد تقوس للأسفل و أخذ يرتعش... و رأسه مال إلى الأسفل بأسى و خيبة ما سبق لي أن رأيتُ على وجه تاي شبيها لهما... و بصوت ٍ نافذ الطاقة هزيل متقطّع أقر ب إلى الأنين قال:
" أنت ...لا تريد... أن... تأكل من يدي أنا... أليس... كذلك ؟ "
و هطلتْ القطرة الأولى... من سحابة الدموع التي سرعان ما تكثـّفتْ بين جفنيه... إنه ليستْ باللحظة المناسبة لأي شرح أو تفسير... أو علة أو تبرير... أو رفض أو اعتراض !
قلتُ مستسلما مشتتا مأخوذا بأهوال ما يجري من حولي:
" لا... لا ليس كذلك ... "
شيئا فشيئا انعكس اتجاه قوس شفتيه... و ارتسمتْ بينهما ابتسامة مترددة واهية... و تسللتْ من بينهما الدمعة الوحيدة مسافرة عبر فيها إلى مثواها الأخير...
نحو فمي ساق تاي قطعة البيتزا ثانيةً... و بين أسناني قطعتُ جزءا منها مضغتُه دون أن أحسّ له طعما و لا رائحة...
اتسعتْ الابتسامة على وجه الصغير و سألني:
" لذيذة ؟ "
قلتُ بسرعة :
" نعم ... "
ابتسم تاي برضا... و كأنه حقق إنجازا عظيما... ثم واصل التهام البيتزا و طلب مني مشاركته ففعلتُ مستسلما... و أنا في حيرة ما مثله حيرة من أمر هذه الصغير...
كم بدا القرص كبيرا... لا ينتهي... كنتُ أراقب كل حركة تصدر عن صغيري... متشككا في أنه قد استرد إدراكه كاملا... الرعشة في يديه اختفتْ... الارتخاء على وجهه بان... الاحمرار على وجنتيه تفاقم... و الأنفاس من أنفه انتظمتْ... و أخيرا فرغتْ العلبة... لقد التهمنا البيتزا عن آخرها لكن... لم أشعر بأنني أكلتُ شيئا... في هذه اللحظة أقبلتْ سيلا و وقفت عند الباب مخاطبة إياي:
" إنه هاتف مكتبك يا جونغكوك... رن مرارا..."
نقلت ُ بصري بين سيلا و تاي... حدقا ببعضهما البعض قليلا... ثم مد تاي يديه و أمسك بذراعي كأنه يطلب الأمان... كان الخوف جليا على وجهه ما أثار فوق جنوني الحالي... ألف جنون و جنون...
" تاي!! "
تاي كان ينظر إلى سيلا مذعور... لا أعرف ما حصل بينهما...
قلتُ مخاطبا سيلا:
" انصرفي الآن يا سيلا رجاء ً "
رمقتني سيلا بنظرة استهجان قوية... ثم غادرتْ...
التفتُ إلى الصغير و سألتُه و القلق يكاد يقتلني :
" ماذا حل بك يا تاي ؟ أجبني ؟؟ هل فعلتْ بك سيلا شيئا ؟؟ "
تاي أطلق كلماته المبعثر بانفعال ممزوج بالذعر:
" لا أريد أن أراه... أبعده عني... أنا أكرهه... ألا تفهم ذلك؟؟... أبعدها عني...أرجوك "
لن يفلح أي وصف لإيصال شعوري آنذاك إليكم... مهما كان دقيقا أخذتُ أطبطب عليه أحاول تهدئته و أنا المحتاج لمن يهدّئني....
" حسنا تاي... يكفي...أرجوك اهدأ... لا تضطرب هكذا..."
بعد أن هدأ تاي و استقر حالته العجيبة تلك... لم أجرؤ على سؤاله عن أي شيء... عرضتُ عليه أن آخذه إلى الطبيب، لكنه رفض تماما... فما كان منّي إلا أن طلبتُ منه أن تسترخي في فراشه لبعض الوقت و سرعان ما اضطجع هو و غطّ وجهه بالبطانية... ليس لشيء إلا.. لأنه أراد أن يبكي بعيدا عن مرآي...
كنتُ أسمع صوت البكاء المكتوم... و لو دفنته يا تاي تحت ألف طبقة من الجبال... كنتُ سأسمعه ! لكنني لم أشأ أن أحرجه... و أردتُ التسلل خارجا من الغرفة... وقفت ُ و أنا أزيح المقعد بعيدا عنه بهدوء... و سرتُ بخفة نحو الباب... فيما أنا على وشك الخروج إذا بي أسمعه يقول من تحت البطانية:
" جونغكوك...أرجوك...لا تخبره... عما حصل في الماضي... أرجوك "
تسمرتُ في موضعي فجأة إثر سماعي له... استدرتُ نحوه فرأيته لا يزال مختبئ تحت البطانية... هروبا من مرآي...
تابعتْ :
" لن احتمل نظرات السخرية... أو الشفقة من عينيه.. أرجوك جونغكوك.."
بقيتُ واقفا كشجرة قديمة فقدتْ كل أوراقها الصفراء الجافة في مهب رياح الخريف... لكن المياه سرعان ما جرتْ في جذوري ... دماء ً حمراء مشتعلة تدفقتْ مسرعة نحو رأسي و تفجرتْ كبركان شيطاني... من عيني ّ...
تبا لك ِ يا سيلا...!!
خرجتُ من غرفة تاي غاضبا متهيجا و بحثتُ عن سيلا و وجدتُها في الردهة قرب السلّم... ما أن رأتني حتى وقفتْ و أمارات القلق على وجهها صارخة...
قالتْ مباشرة :
" كيف هو ؟ "
و قبل أن تسترد نفسها من الكلام انفجرتُ في وجهها كالقنبلة:
" ماذا فعلت به ؟ "
الوجوم و الدهشة عليا تعبيراتها و قالتْ مضطربة:
" أنا !! ؟؟ "
قلتُ بصوت ٍ قوي غليظ :
" نعم أنت ِ ... ما الذي فعلته به؟؟ أخبريني ؟ "
سيلا لا تزال مأخوذة بالدهشة تنم تعبيرات وجهها عن السذاجة أو التظاهر بالسذاجة... و هو أمر أطلق المدافع في رأسي غضبا... فزمجرت ُ :
" تكلّمي يا سيلا ما الذي كنت تفعلينه في غرفته؟؟ ماذا قلت له تكلّمي "
سيلا توتّرتْ و قالتْ مستهجنةْ:
" و ما الذي سأفعله به ؟؟ لم أفعل شيئا... ذهبت ُ لأسأله عن شيء... إنه هو من كان غير طبيعيا... بدتْ و كأنه يرى كابوسا أو فلما مرعبا... ثم صرخ.. .لا علاقة لي بالأمر "
قلتُ بغضب :
" عن أي شيء سألته ؟ "
بدا التردد على سيلا فكررتُ بلكنة مهددة:
" عن أي شيء سألته يا سيلا تكلّمي؟؟ اخبرني بالتفصيل.. ماذا قلت له و جعلته تضطرب بهذا الشكل؟؟ عم سألته أخبريني؟ "
" جونغكوك! "
هتفتُ بعنف :
" تكلّمي ! "
شيء من الذعر ارتسم على وجه سيلا ... من جراء صراخي...
أجابتْ متلعثمة :
" فقط ...سـ... سألته عن... سبب قتلك جونغ... و إخفائك الحقيقة عنّي... و عن ... علاقته هو بالأمر... "
انطلقتْ الشياطين من بركان رأسي ... كنت ُ في حالة غضب شديد... لم استطع كتمانه أو التغلب عليه... صرخت ُ في وجه سيلا بعنف:
" أهذا كل شيء ؟ "
أجابتْ سيلا مذعورة:
" نعم... لا تصرخ بوجهي ... "
لكنني خطوتُ نحوها... و مددتُ يدي و أمسكتُ بذراعها بقوة و ضججتُ صوتي:
" و لماذا فعلتِ ذلك ؟ ألم أحذركِ من هذا ؟ ألم أطلب منكِ ألا تتحدثي معه ؟ لماذا فعلت ِ هذا يا سيلا لماذا ؟ "
أطلقتْ سيلا صيحة ألم... و حاولتْ تحرير ذراعها منّي... لكنني ضغطتُ بشدة أكبر و أكبر... و هتفتُ بوجهها منفعلا :
" كيف تجرأتِ على هذا يا سيلا ؟؟ أنظري ماذا فعلت ِ بالصغير... إنه مريض... ألا تفهمين ذلك ؟؟ إن أصابه شيء ... فستدفعين الثمن غاليا "
صاحتْ سيلا:
" اتركني يا جونغكوك... أنت تؤلمني... "
قلتُ :
" لن أكتفي بالألم... إن حلّ بالصغير شيء بسببكِ يا سيلا... أنا لا أسمح لأحد بإيذائه بأي شكل... كائنا من كان... و لا أسامح من يسبب له الأذى أبدا يا سيلا...أتفهمين ؟؟ إلا صغيري يا سيلا... إلا تاي... لا أسامح فيها مس شعرة.. أبدا يا سيلا أبدا... أبدا... هل فهمت ِ ؟؟ "
و أفلتُّ ذراعها بقسوة مبعدا إياها عنّي بسرعة... لئلا تتغلب علي الشياطين و تدفعني لارتكاب ما لن ينفع الندم بعده على الإطلاق...
كان هذا.. مطلعا تعيسا أسود ليوم جديد أضيفه إلى رصيد أيام حياتي الحزينة المؤلمة... و هو مطلع لم يساوي الكثير أمام ما كان يخبئه القدر... في نهايته.
___________________________________________
7739كلمةHi
اي سؤال ؟؟؟
نهاية سعيدة لا تخافوون مو حزينه
أنت تقرأ
YOU ARE MIN
Romance،شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ... لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ... لم يعد هذا جونغكوك ! جونغكوك لم يكن يصرخ في وجهي و يقول : " انصرف " كان دائما يبتسم و يقول : " تعال يا تاي !! " " لن أصدّق.. إنك...