☦︎︎37☦︎︎

1.8K 78 14
                                    

قالت سيلا :
" ماذا سنفعل الآن؟؟ "
" لا أعرف ! لازلنا في أول الطريق ! "
ابتعدت سيلا عن صدري قليلا، و نظرت إلي مطولا، و ابتسمت و قالت :
" لا حاجة للقلق..ما دمت معي "
ابتسمت لها، فعادت و غمرت رأسها في صدري بارتياح...
أما أنا فأغمضت عيني في ألم...و مرارة ..في حيرة و ضياع.. ماذا سأفعل الآن؟؟ ماذا ينتظرني بعد ؟؟ ماذا تخبئين لي أيتها الأقدار ؟؟
و عندما فتحتهما..لمحت عينين حمراوين..ملأتهما الدموع..تنظران إلي بألم، مطلتين من فتحة الباب.. و ما أن رأيتهما ..حتى انسحب صاحبهما مبتعد .. تارك إياي في بحر من الضياع..
لم استطع البقاء مكاني لحظة بعد.. أبعدت سيلا عني قليلا و قلت :
" دعيني أذهب لترتيب بعض الأمور.. من أجل السفر "
أروى ابتسمت و قالت :
" و أنا أيضا سأرتب بعض أموري... لا أدري كم سنغيب هناك ! "
و تركتها و تسللت نحو غرفة تاي..
طرقت الباب مرارا لكن لم يجبني، و حين هممت بالانصراف رأيت مقبض الباب يتحرك أخيرا...
في الداخل، وجدت تاي غارق في الدموع المريرة..فتصدّع فؤادي و طار عقلي خوفا عليها...
" ما بك صغيري؟؟ ماذا حصل ؟"
رمني تاي بنظرة ثاقبة .. لم يكفه تمزيق أحشائي بل و صهر الجدار الذي خلفي من حدّتها...
" تاي !؟ "
قال :
" متى ستسافران ؟ "
قلت :
" خلال أيام معدودة "
قال :
" هل يجب أن تذهب أنت ؟ "
استغربت سؤاله و أجبت :
" طبعا ! فسيلا ستكون بحاجة إلي بالتأكيد ! "
قال بنبرة حزينة :
" و أنا ؟ "
نظرت إليه بتعجّب ، و قلت :
" بالطبع ستكون معنا ! "
تاي لم يعقّب، بل أحنى رأسه للأسفل بحزن...
اقتربت منه أكثر ، ثم قلت :
" تاي ! و هل تظن أنني سأترك هنا و أذهب ؟؟ "
تاي رفع رأسه و نظر إلي نظرة جعلت قواي تخور فجأة ...
قلت بصوت ضعيف واهن :
" أرجوك يا تاي.... ماذا تقصد ؟ أخبرني بلسانك فلغة العيون هذه ..ترسلني إلى الجنون "
قال تاي :
" ستصبحان ثريين ! "
ثم أضاف :
" هنيئا لكما ! "
و غطى وجهه بيديه كلتيهما و بكى بكاء ً مؤلما...
" أرجوك يا تاي، لم كل هذا ؟؟ ماذا يجول برأسك الآن ؟؟ "
تاي قال و هو على وضعه هذا :
" دعني وحدي "
لم أقبل، قلت مصرا :
" ما بك الآن ؟ أخبرني أرجوك ؟؟ "
أزاحى تاي يديه و رمقني بنفس الناظرة ، و قال :
" أريد الذهاب إلى خالتي ! هلا ّ أخذتني إلى هناك ؟ "

رتبنا الأمور للسفر برا ، أنا و تاي و سيلا و الخالة ليندا ، فيما ظل العم في المزرعة، يهتم بأمورها بمساعدة الأشخاص الذين عيّنتهم أنا للعمل عندنا قبل مدّة.
خطة سفرنا كانت تقتضي منا التعريج على المدينة أولا ، من أجل زيارة عائلة خالة تاي ، كما يرغب تاي و يلح، و من ثم الذهاب إلى المدينة الساحلية.
في السيارة، كانت سيلا تجلس على المقعد المجاور لي، و كنا نتبادل الأحاديث معظم الوقت، بينما يخيم صمت غريب على المقعدين الخلفيين، تاي و الخالة !
الخالة سرعان ما غلبها النعاس فنامت، أما الصغير الحبيب، فكلما ألقيت نظرة عبر المرآة إليه وجدته يحدّق بي بحدّة ! و كلما حاولت إشراكه في الحديث معنا رد ردا مقتضبا سريعا ، باترا !
المشوار إلى المدينة المنكوبة لم يكن طويلا، لكن الشارع كان خاليا من أية سيارات، الأمر الذي يثير الوجل في قلوب عابريه !
عبرنا على نفس محطة الوقود التي بتنا عندها تلك الليلة.. و نحن مشردون في العراء !
المحطة كانت مهجورة، و البقالة مقفلة... المكان ساكن و هادىء ، لا يحركه شيء غير الريح الخفيفة تعبث بأشياء مرمية على الأرض ...
كم كان يومنا مأساويا...
خففت السرعة، و جعلت أراقب ما حولي و أستعرض شريط الذكريات... لقد نجونا بأعجوبة ! ...
" جونغكوك .. "
كان هذا صوت تاي، يناديني بوجل.. و كأن الذكرى أثارت في قلبه الفزع... التفت إليه فوجدته يكاد يلتصق بمقعدي ! و علامات التوتر و الخوف مستعمرة تقاسيم وجهه الدائري...
قلت مشجعا :
" نجونا.. .."
و سبحنا في بحر عميق من الهدوء الموحش ...
تابعنا طريقنا ، و الذكرى تجول في رأسينا... هنا مشينا حفاة.. هنا ركضنا... هنا وقفنا... هنا حملت تاي..... هنا وقع تاي ... هنا أصيب تاي! آه ..ما كان أفظع ذلك الجرح ! ... و هنا ... هنا ... ماذا تتوقعون هنا ؟؟ إنها سيارتي !
" جونغكوك! "
نادني تاي و هو يرى سيارتي القديمة واقفة إلى جانب الطريق ، مع سيارات أخرى في نفس المكان !
أوقفت السيارة ، و أخذت أتفرج على سيارتي القديمة هناك !
التفت إلى تاي فوجدته ينظر إلي ...
يا للأيام ! بل يا للشهور ! أما زالت سيارتي القديمة واقفة في انتظار عودتي في مكانها !
فتحت الباب و هممت بالنزول ، ناو الذهاب و تفحصها عن كثب !
" إلى أين جونغكوك ؟؟ "
سألني تاي ، قلت :
" سألقي نظرة ! "
و قبل أن أخرج كان تاي قد فتح بابه و سبقني !
وقفت إلى جانبه ، و قلت :
" سأتفحصها عن قرب ! "
" سآتي معك "
و طبعا لا داعي لأن اعترض !
ذهبنا إلى السيارة و فتحت الأبواب الغير موصدة، و تفحصت ما بالداخل ...و تاي إلى جانبي..
" كما هي ! لم يتغير شيء ! أ رأيت يا تاي ؟؟ "
لم يعقّب ، بل ظلت يتفحصها بعينيه ، و ربما يستعيد الذكرى المرعبة .. ركبت مقعدي الأمامي ، فأسرع هو لركوب المقعد المجاور...و أغلق الباب.

YOU ARE MINحيث تعيش القصص. اكتشف الآن