☦︎︎32☦︎︎

2.1K 72 22
                                    


جالس على السرير الوحيد في تلك الغرفة الصغيرة، بعدما فرغت من استحمامي ، أمسك بيدي محفظتي و أعد نقودي..
ليس لدي سوى مبلغ ضئيل لا يكفي لتوفير مأوى آخر أو طعام لنا و لفترة قصيرة ..
أشعر بخجل شديد من نفسي إذ جئت بعائلتي إلى هنا ، و رغم أن عائلة العم هي عائلة طيبة كريمة لأبعد الحدود إلا أن وجودنا لا يجب أن يطول..
علي التصرف بشكل من الأشكال...
هانا واقفة أمام المرآة ، ثم تلتفت إلي و تراقبني دون أن اهتم لها ، ثم تسألني بقلق :
" ماذا سنفعل ؟؟ "
أفكر بعمق، و بصمت .. و في عجز عن إيجاد حل مناسب.. فقد احترق بيتنا بما حوى.. و نحن الآن مشردون و حفاة معدمون..
تكرر هانا سؤالها :
" جونغكوك ماذا سنفعل ؟؟ "
ارفع بصري إليها ، و أرفع حاجبي ّ و أقوّس فمي للأسفل.. ماذا سنفعل ؟؟
تاي كان في دورة المياه..
اقتربت مني هانا و قالت :
" خطيبي و عائلته سيغادرون البلدة "
و صمتت... و ظلت تراقبيني قليلا ثم قالت :
" و يريدون أخذي معهم "
تغيرت تعبيرات وجهي و قلت باضطراب :
" ماذا ؟؟ "
قالت بتردد :
" إنه حبيبي... يريد أن .. يبعدني عن البلدة و الخطر .. "
قلت :
" و الزفاف ؟؟ "
تنهّدت هانا و قالت :
" الزفاف ؟؟ احترق مع فستانه ! "
ثم أخذت تبكي...
و يحق لها أن تبكي بمرارة.. و هي العروس التي كانت تعد لزفافها المرتقب بعد أيام فقط..
شعرت بقهر و غيظ في داخلي فوقفت و أحطتها بذراعي ّ محاولا مواساتها..
بعد قليل قالت :
" دعنا نسافر نحن أيضا "

" إلى أين ؟ كيف ؟ الرحلات محظورة "
" سيسافرون للبلدة المجاورة بالسيارة ، ثم يطيرون إلى بلد بعيد و آمن.. دعنا ننضم إليهم جونغكوك"
" كيف يا هانا كيف ؟؟ إننا حتى لا نملك جوازات سفر أو بطاقات شخصية ! لا أنت و لا تاي على الأقل "
و هنا سمعنا صوت المفتاح يدار في باب الحمام...
في الخارج صادفت الآنسة مقبلة نحو الغرفة ..
قالت :
" مرحبا "
" مرحبا سيدتي "
" لقد أعددنا المائدة .. هللا استدعيت تاي و هانا ؟ "
" شكرا.. "
" و خالي ينتظرك أيضا في المجلس "
" لا نعرف كيف نفيكم حق الشكر ؟ "
" لم عليك تكرير ذلك يا سيد جونغكوك ؟؟ بل نحن من يتوجب علينا شكرك.. لقد قدّمت لنا الكثير من المساعدات طوال عدّة أسابيع ! أنت شخص نبيل الخلق و تستحق التكريم "
شعرت بالخجل من كلماتها و كلامها معي.. خفضت بصري حرجا نحو الأرض .. و حرت .. ماذا علي أن أقول ؟؟
هنا فتح باب الغرفة و ظهر منه تاي ..
تاي وقف ينظر إلي برهة في صمت ، ثم ينظر إلى الآنسة بوجه جامد
الآنسة ابتسمت و قالت :
" كيف حالك ألان يا تاي ؟؟ "
و لم يبد أن الصغير عازم على الإجابة !
لكنه قال أخيرا :
" بخير "
قالت :
" المائدة جاهزة... أين أختك ؟ "
قال تاي :
" هانا أخت جونغكوك.... ابن عمي "
و لم أجد الرد مناسبا للسؤال ! قالت الآنسة :
" نعم أعرف ! و لكنها كانت تتحدث عنك بوصف أخ ! "
ظهرت هانا الآن من خلف تاي .. فحيتها الآنسة و كررت دعوتنا إلى المائدة.. و تناولنا وجبة شهية مغذية بعد طول الجوع و العطش ..
بعد ذلك تحدثت و العم ساردا ما حصل لنا بشيء من التفصيل.. فأبدى تعاطفه الشديد و رحّب ببقائنا في ضيافته إلى أن نجد حلا آخر.. و أنا وعدته بأن أبدأ العمل في المزرعة منذ اليوم ... و رغم اعتراضه ، إلا أنني أصررت على ذلك و نفذته
كان ذلك بعد الغذاء بثلاث ساعات.. تركت تاي و هانا نائمتن في الغرفة ، تعوّضان حرمانهما السابق من النوم ، و خرجت إلى ساحة المزرعة و باشرت العمل...
كانت هناك شتلات شجيرات صغيرة جديدة مطلوب غرسها في الأرض.. و توليت أنا هذه المهمة .. أحفر الأرض ، و أغرس الشجيرات ، و أسوي التراب ...
العم و كذلك أبنت يونغي كانا أيضا يعملان من حولي..
كنت أشعر بالتعب و الإعياء فأنا لم أنل قسطي الوافي من النوم و الراحة بعد ، إلا أنني لم أطق تأجيل العمل إلى الغد..
أبنت يونغي كانت تساعدني .. و تتحدث معي من حين لآخر..
إنها فتاة جريئة بالفعل !
فيما أنا جاث ٍ على الأرض أغرس إحدى الشجيرات و أهيل عليها التراب.. و الآنسة واقفة قربي و ممسكة بالطرف العلوي لتلك الشجيرة .. سمعتها تقول :
" أهلا تاي ! "
رفعت رأسي إليها فرأيتها تنظر في إتجاه معين ...
التفت إلى ذلك الاتجاه فرأيت تاي واقف ينظر إلي.. و لم يكن تعبيرات وجهه مريحة... البتة
وقفت ببطء .. و نفضت يدي و ثيابي مما علق بها من التراب .. ثم قلت :
" أهلا صغيري .. "
النظرات التي رشقني بها تاي جعلتني انصهر حرجا .. و أهرب ببصري بعيدا عنها..
كان مذهول مصعوق.. يحدّق بي بدهشة لا تضاهيها دهشة..
آلمتني نظراته و غرست في صدري ألف خنجر.. لم أجرؤ على إعادة بصري إليه من جديد ...
سألت بدهشة :
" جونغكوك... ماذا تفعل ؟؟ "
ماذا أفعل ؟؟ ماذا أفعل يا تاي؟؟
ألا ترى ؟؟
أزرع الأرض.. ألوث يدي و ملابسي و جسدي بالأتربة و السماد.. و الوحل أيضا..
نعم .. أجثو على الأرض ضئيلا منخفضا وضيع الشأن.. بسيط الحال .. عوضا عن علو السماء و المركز و المنصب ..
احتقرت نفسي لحظتها أيما احتقار..
و تمنيت لو أنني دفنت نفسي عوضا عن الأشجار..
ماذا تظن يا تاي؟؟
أنني أصبحت شخصا مرموقا عالي الشأن ؟ هذه هي حقيقتي .. مجرد مزارع بسيط يعمل بجد فقط من أجل وجبة طعام و مأوى ...
" جونغكوك.. ماذا تفعل ؟؟ "
أجبرت ُ عيني على النظر إليه ، فهالني ما رأيت على وجهه ...
أرجوك كفى يا تاي..... أنت تذبحنني .. كفى ... كفى ...
اعترفت بخجل :
" أفلح الأرض .. فهذا هو عملي منذ زمن "
و لن أصف لكم كيف تحوّل وجه تاي إلى غابة ذهول مخيفة ...
من منكم جرّب هذا ؟؟ دعوه يصف لكم إذن ما أعجز أنا عن التعبير عنه ...
تاي تراجع للوراء .. ربما ليبتعد عن صفعة الواقع الذي يكتشفه للمرة الأولى..
سار إلى الوراء بعرج.. و عيناه المفتوحتان أوسعهما لا تزالان ترميان سهام الذبح نحو جسدي... من أعلاه إلى أسفله...
و فيما هو ييسير إلى الوراء بهذا الذهول و أنا ساكن في مكاني ، رأيت العم يقبل من ناحيته و يشير إلي ّ بيده مخاطبا الرجل الذي معه :
" هذا هو شقيقك ! "
~ ~ ~ ~ ~ ~
لدى سماعي صوت الرجل العجوز قادما من خلفي ، التفت إلى الوراء بسرعة ، فرأيت جيمين يقف أمام عيني ...
شهقت :
" جيمين ! "
قال :
" تاي ! "
و أسرع نحوي و جذبني إلى صدره بقوة و عانقني بحرارة شديدة ... جدا !
" أوه تاي يا حبيبي... لا أصدق عيني .. .. أنت حية ؟؟ شكرا لك ياللهي .. شكرا لك يااللهي "
و صار يبكي و أنا أبكي معه ..
و أخذ يقبّل يدي ّ و جبيني بلهفة .. لم أعهدها عليه من ذي قبل ..
" لقد نجونا ياجيمين ! كدنا نموت لكننا نجونا بأعجوبة ! "
أقول ذلك و أتذكر ما مررنا به ، فأدفن رأسي في صدره و أغلق حصار ذراعي حول جدعه...
بعدما فرغ من نوبة الشوق هذه ، التفت إلى جونغكوك ...
" جونغكوك.. "

YOU ARE MINحيث تعيش القصص. اكتشف الآن