☦︎︎36☦︎︎

2.1K 78 14
                                    

لأن الظروف لم تسمح لنا قبل الآن بشراء خاتمي الخطوبة، و أقصد بذلك ظروف جونغكوك ، فإنني فتحت الموضوع معه مؤخرا، بعدما مضت فترة على وفاة والديه،
قررنا أن نذهب لشراء الخاتمين غدا.. لن نقيم أي احتفال، إنما عشاء خاص بي معه...
جونغكوك، هو رجل رائع بكل المقاييس.. ربما كان التعويض الذي أرسله الله لي عوضا عما فقدت.
في مظهره، وسم، جذاب ! طويل القامة، عريض المنكبين، ممتلىء الجسم و الوجه! في أخلاقه، كريم.. لطيف..نبيل.. متفان، مقدام ! في عمله، مخلص، صادق.. أمين.. مجتهد، نشيط جدا!
في أول مرة التقينا، كان ذلك قبل عدة أشهر، حين دخل رجل غريب إلى المنزل و هو يستنجد!
عندما أتذكر ذلك اليوم ، و رغم المرارة التي كانت فيه، أضحك !
لقد خرجت من المنزل راكضة .. بملابسي المجردة !
حينما عرض علي الزواج ، فرحت كثيرا.. أمي و خالي كانا يمدحانه أمامي باستمرار، و أنا كنت ألحظ إعجابهما بخلقه و طبعه، و أعجبت به مثلهما ...
علاقتي بجونغكوك كانت بالكاد قد بدأت تتطور، ألا أن تطوّرها أخذ منحى آخر حين حضر تاي للعيش معنا...
و هذه التاي فتى غريب الأطوار !
أول الأمر كان غارق في الحزن، ثم بدأ يتفتح للحياة، و الآن بفرض وجوده في ساحة جونغكوك !
إنه يهتم به كثيرا جدا، و يعامله و كأنه ملكة ! يصدر الأوامر و هو ينفّذ .. حتى أنه يفكر جديا في شراء طقم غرفة النوم الباهظ الذي أشار إليه اليوم .. !
و يريد تحويل إحدى غرف المنزل إلى غرفة خاصة به،
أنه فتى مدلل جدا، و وجوده أبعد جونغكوك عني ، و جعله يصرف جل الاهتمام له هو .. و يهملني ...
اليوم ذهبنا إلى الأسواق تنفيذا لرغبته، حيث اختار طقم غرفة النوم ذاك، و اشترى العديد من الأشياء .. بمبالغ كبيرة !
أنا أخشى أن أتحدّث معه أو مع جونغكوك حول هذه النقطة، حتى لا أسبب مشكلة و يتهمني أحد بشيء، لكن...
نحن في وضع مالي متواضع ! و هو، كان من عائلة ثرية معتاد على نيل ما يريد بسهولة...و لا أعلم، متى سيمكنه أن يدرك تماما أن والديه قد توفيا... و أنه لم يعد يتربى في عزّهما و دلالهما!
و رغم ما أنفقه تاي هذا اليوم، فأنا لم أتنازل عن رغبتي في شراء خاتمي الخطوبة و طقم ، فهي من حقّي، و قد وعدني جونغكوك بالذهاب لأسواق المجوهرات و شرائها...

~ ~ ~ ~ ~ ~

العلاقة بين تاي و خطيبتي تزداد اضطرابا مرة بعد أخرى، و هذا يقلقني كثيرا...
تاي ، في أحيان ليست بالقليل يتصرف بغرابة، لا أعرف وصفا دقيقا أذكره لكم، لكن.. إنه .. يتدلل كثيرا !
و لأنه معتاد على الدلال، و ينفيذ جميع رغباته دون استثناء، و لأنني الشخص الوحيد المتبقي أمامه من العائلة، فإنه .. باختصار يتدلل علي !
نعم حينما كان صغير كنت أعشق تدليله و أقبل على ذلك بشغف، ألا أن الأمر تغيّر الآن..إنه لم يعد طفل كما أنني... إنني... ماذا أقول ؟؟ لست أباه، أو أخاه، أو زوجه أو حتى ابنه لأستطيع مجاراته ببساطة في كل تصرفاته... أنا حائر.. حائر جدا!
البارحة، و بعدما عدنا من السوق، و قد اشترى هو العديد من الأشياء، فوجئت به قادم نحوي، و قد تغيّر لون عينيه إلى الأزرق ! و إذا به يسألني :
" كيف أبدو ؟ "
كنت أجلس و سيلا في الصالة، نتحدّث عن الخاتمين اللذين تصر سيلا على شرائهما، و أظن هذا من حقّها فهي تود وضع خاتم للخطوبة مثل أي فتاة ! اعتقد أن الفتيات يهتممن بأمور تبدو في نظر الرجال، أو لنقل في نظري أنا كواحد من معشر الرجال ... لا تغضبن ! سخيفة أحيانا !
نظرت ُ إلى سيلا ثم إلى تاي مندهشا.. و كان لا يزال ينتظر رأيي في لون عينيه الجديد ! شعرت بالحرج الشديد .. فقلت :
" هل صبغتهما بالفرشاة ؟! "
قاصدا أن تبدو دعابة خفيفة تلطّف الجو، ألا أن تاي نظر إلى سيلا و قال :
" و هل أنت ِ صبغتِ عينيك بالفرشاة ؟ "
قالت سيلا :
" لا ، صبغهما الله لي هكذا ، لذا فهما تناسباني تماما "
الجملة أزعجت تاي ، فقال بغيظ :
" تعنين أن لون عيني الآن لا يناسبني ؟ "
صمتت سيلا ، و نظرت إلي، تقصد تحويل السؤال إلي .. ، و لذا نظر تاي نحوي و أنا أرى الغضب يتطاير من عينيه هاتين.. و لم أجد جوابا مناسبا ألا أنني لم أشأ إحراجه فقلت :
" و إن ناسباك ، فالأصل هو الأنسب دائما "
و إجابتي الغبية هذه لم تزد الطين إلا بللا !
قال غاضب :
" نعم الأصل هو الأنسب دائما، هذا ما يجب أن تدركه أنت ! "
و لم أفهم ما يرمي إليه ! ثم أضاف :
" لو كان جيمين هنا، لصفّر إعجابا "
ثم استدار و غادر الصالة...
تضايقت أنا من هذا الموقف.. و التزمت الصمت مدّة ، ألا أن سيلا قطعت الحديث قائلة :
" ألم أقل لك !؟ إنه يغار مني "
التفت إليها و قلت :
" لا ، ليس الأمر كذلك ! لكنك لا تعرفين كم كان مدلل يفعل ما يشاء في بيت أبي... كان يدلله كثيرا "
قالت سيلا :
" و ها أنت ورثته ! "
التفت إلى سيلا، فأشاحت بوجهها عني.. و كأنها غاضبة مني ..
قلت :
" ما بك سيلا ؟ ماذا يزعجك ؟ "
التفتت إلي و أجابت :
" ألست تدلله أنت أيضا ؟ "
قلت :
" أ لأنني سمحت له بشراء كل ما أراد ؟ تعلمين أن أغراضنا احترقت في بيتنا و هو بحاجة لأشياء عدّة ! "
" أشياء عدّة كالملابس الباهظة التي اشتراها و الحلي أيضا ؟؟ "
سكتت قليلا و قالت :
" لم لا ترسله إلى جيمين لبعض الوقت ؟ أظنه في حنين إليه "
وقفت منزعجا و رميت سيلا بنظرة ثاقبة ، جعلتها تعتذر
" لم أقصد شيئا يا جونغكوك إنما ..."
قلت مقاطعا :
" يجب أن تعرفي يا سيلا .. أن تاي هو جزء من مسؤولياتي أنا، الجزء الأكبر.. و متى ما شعرت بالضيق من وجوده فأعلميني، و في الحال سآخذه و نرحل "
ظهر الذهول على ملامح أسيلا ، فوقفت و قالت :
" جونغكوك ! "
قلت :
" نعم ، نرحل سوية.. لأنه لا يوجد سبب في هذا العالم يجعلني أتخلى عن ابن عمي ساعة واحدة، مهما كان "
و كان هذا بمثابة التحذير ...
قالت سيلا :
" و .. حين نتزوّج ؟ "
صمت فترة ، ثم قلت :
" لن يكون زواجنا قبل زواجه هو ، بحال من الأحوال "
" و .. متى سيتزوج هو ؟ "
قلت بسرعة و بغضب :
" ليس الآن، لا أعرف ، ربما بعد عام أو عشرة .. أو حتى مئة ، لكن ما أعرفه هو أنني لن أتزّوج قبله مطلقا "
و تركت سيلا، و انصرفت قاصدا تاي... نعم تاي ، فهو من يشغل تفكيري هذه الساعة، و كل ساعة..
كنت أعرف أنني سأراه باكي.. و هكذا رأيته بالفعل.. و قد خلع العدستين الزرقاوين، و تحول بياض عينيه إلى احمرار شديد...
" صغيري.. يكفي ! "
طالعني بنظرة غاضب ، و قال :
" كنتما تسخران مني ، أليس كذلك ؟ "
" لا أبدا ! لا يا تاي ! "
قال بانفعال :
" لو كان جيمين هنا ، لقال قولا لطيفا و لو من باب المجاملة.. "
و ذكر اسم جيمين يجعلني أتكهرب !
قلت بدون تفكير :
" أنت رائع إن بهما أو بدونهما يا تاي "
و ابتلعت لساني بسرعة !
تاي تأمل عيني، و ربّما سرّه ما قلت.. فمسح الدمعتين الجاريتين على خديه ، و قال :
" حقا ؟ هل بدوت رائع ؟ "
اضطربت، حرت في أمري.. بم أجيب ..؟؟
يا تاي أنت تثير جنوني.. ماذا يتوقع مني ؟ أنا.. و للأسف، و بكل أسف.. لست زوجك حتى يحل لي أعجب بك و أبدي إعجابي لك.. كيف لي أن أصرّح أمامك : أنت رائع، و أنت لست ملكي..؟ أنى لي أن أتأملك و أنت لست زوجي أنا ؟؟ يا تاي .. أنت لست فتاي ، و أنا لا أستطيع تخطي الحدود التي يجب أن تبقى بيننا.. و إن لم أر روعتك، و لم أتأملها و لم أعلّق عليها، فلتعلم بأنك في قلبي أروع مخلوق أوجده الله في حياتي.. مهما كان مظهرك ..
لا يزال ينظر إلي منتظر الإجابة.. كطفل صغير بحاجة إلى كلمة طيبة من أحد.. قلت :
" بالطبع ! أنت دائما رائع منذ صغرك ! "
تاي ابتسم، أظن بفرح.. ثم قام و اتجه إلى أحد الأكياس التي تحوي ما اشتراه من السوق، و أخرج بعض الأشياء ليريني إياها !
أراني أحد القمصان، و هو يقول :
" هذا سيدهشك ! انظر .. ما رأيك ؟؟ "
قميص كان أنيقا، !
قال :
" سيغدو أجمل حين أرتديه ! "
و قربه من جسمه و ذهب ليشاهد ذلك أمام المرآة..
كان يبدو سعيد ..
قال يخاطب المرآة :
" متأكد سيبهر هانا حين تراه ! و ستشعر بالغيظ ! "
ثم اكفهر وجهه فجأة .. و شرد برهة ، و استدار إلي .. و رمى قميص على السرير..
قلت :
" ما الأمر ؟ "
قال :
" أريد أن أرتديه "
قلت :
" إذن افعل ! "
قال و بريق من الدموع لمع في عينيه:
" أرتديه لأبقى حبيس في هذه الغرفة ؟ "
و صمتت قليلا ثم قال:
" لو كان والداي حيين.. لكنا الآن هناك، في بيتنا.. أريهما أشيائي هذه، و أسمع تعليقاتهما.. "
" تاي ... "
" و لكنت ارتديت ما أشاء.. و تزيّنت كيفما أريد .. بكل حرية.. "
" تاي صغيري ... "
" و لكنت اشتريت ما يحلو لي دون حساب.. و لطلبت من والدي تجديد طقم غرفة نومي .. لم يكن ليتضايق من طلباتي.. فقد كان يحبني كثيرا.. و يدللني كثيرا.. و يحرص على مشاعري كثيرا.. أكثر من أي أب آخر في الدنيا .. "
و ارتمى فوق قميص المرمي على السرير، و أخذ يبكي بحرقة...
تمزّق قلبي أنا .. خلية خلية..لهذا الموقف الأليم المرير.. و رغما عنّي تمخّضت مقلتي عن دمعة كبيرة...
اقتربت منه محاولا المواساة :
" أرجوك يا تاي... كفى عزيزي .. "
تاي استمر في البكاء ، و لم ينظر إلي ، لكنه قال وسط الآهات :
" لن يشعر أحد بما أشعر به.. حبيس و مقيّد في هذا المكان.. ليتهما يعودان للحياة.. و يعيداني معهما إلى البيت.. و أنا سأتخلى عن كل شيء فقط لأعيش معهما ! "
مسحت دمعتي ، و قلت بصوت ألطف و و أحن :
" باللهي عليك يا تاي... يكفي فقد تفطّر قلبي "
تاي استدار نحوي، و أخذ ينظر إلي مطولا..
ثم قال :
" هل تشعر بما شعر يا جونغكوك ؟؟ أتعرف معنى أن تفقد والديك، و مرتين، و بيتك و عائلتك، و مدينتك و جامعتك، و تبقى مشردا عالة متطفلا على غرباء ؟ في مكان لا يوفر لك أبسط حقوقك ؟ أن ترتدي ما تشاء ! "
" تاي ! ماذا بيدي ؟ أخبرني ؟ ماذا أستطيع أن أفعل ؟ و حتى لو خرجنا من هذا المنزل و سكنا منزلا آخر... لا حل للمشلكة ! "
" بلى ! "
قال تاي ذلك بسرعة ، فقلت أنا مسرعا :
" ما هو ؟ "
تاي الآن.. عقد لسانه و هو ينظر إلي نظرات عميقة، كأنه يفكّر فيما يود قوله ثم قال للقهر :
" أرسلني إلى بيت خالتي "
ذهلت لسماع هذه الجملة ، و ترنحت قليلا ، ثم سألت :
" إلى بيت خالتك ؟؟ كيف ؟؟؟ "
قال :
" أتزوّج جونغيون "
هنا .. توقّف قلبي عن النبض، و توقفت عيناي عن الرؤية، و أذناي عن السمع، و كل حواسي عن العمل ، بل و الساعة عن الدوران...
لم أسترد شيئا من حواسي المفقدوة إلا بعد فترة، و أنا في المزرعة .. و كان أول شيء استعدته هو الشم، إذ غزت رائحة السيجارة أنفي و أيقظت إحساسه عنوة ...
قلبتني جملتها هذه رأسا على عقب... و بعد أن كنت شديد الحزن و التعاطف معه، أصبح أرغب في خنقه....
جونغيون؟ نعم جونغيون...
أهذا ما تريد يا تاي ؟؟

YOU ARE MINحيث تعيش القصص. اكتشف الآن