لا أعرفُ كيفَ أصفُ المكانَ ، و لا أعرفُ إلى أيِّ زمانٍ كُنّا فيه ننتمي ، كلُّ ما كانَ حولنا شبيهٌ بالمدينةِ حيث نعيشُ شبهاً عظيماً ، غَيْرَ أنَّ فارقاً عجيباً يحولُ ما بين المكانين ، إذْ تغيَّرَتِ الألوانُ عن الحقيقيّ و بَهتَت ، و غابَتْ روحُه و ذُعِرَ أهلُه.
تلفَّتُّ فيما حولِي عدّةَ مرّات ، و إذْ بي أجدُ خالِي الأكبرَ مطروحاً أرضاً ، خالِي الأعظمَ و الأغلى ، و الذّي يتولّى رعايَتِي مُذْ تخلّى عنها والداي.
شهَقْتُ بجزع ، و هرَعْتُ نحوَه أكتمُ أنفاسِي و أسابقُ الوقت ، تمسَّكْتُ بذراعِه المُلقاةِ أرضاً و رُحْتُ أتمتمُ بصلواتٍ غيرِ مفهومة ، فرفعَ رأسَه إليَّ بقوّةٍ شبهِ معدومة ، و أشارَ بحاجبيه نحو الأمام ، ثمَّ بصوتٍ مخفيٍّ أخذَ يرتفعُ مع مرورِ الثّواني قال:_"اهربي.. اهربي تيا!"
_"لن أتركَك!"
_"قُلْتُ اهربي!"
تجمَّعَتِ الدموعُ في عينيّ ، و تزايَدَتْ و غصَّتِي وقتَما دفعَني خالي بما لديه من قوّةٍ كي أغادر ، و حالَما فَعَلْتُ و ابتعدْتُ بعضَ الشَّيءِ ، ظهرَ أبناءُ خالِي سوبين و بومغيو يركضون بمحاذاتِي ، ثمَّ ابنُ خالَتِي كاي ، و أخيراً ابنُ عمِّي تايهيون.
اشتعلَتْ نيرانٌ في الشّارعِ حيثُ خالي ، و امتدَّتْ بسرعةِ البرقِ إلى أن طالَتْ موطئنا ، صرخْنا جميعاً بأسماءِ بعضِنا البعض ، و في آخرِ لحظة ، اسودَّتِ الرّؤية.
.
.الثّامنُ من أيلول عامَ سبعةٍ و تسعين و تسعمئةٍ و ألف
كانَتْ تيا تقصُّ على دميتِها القصّةَ ذاتَها للمرّةِ الثّالثةِ وقتَما رنَّ منبِّهُ ساعتِها ، لم تكن قَدِ استطاعَتِ العودةَ إلى النّومِ مُذْ أيقظَها الكابوسُ وقتَ الفجر ، و قَدْ حانَ وقتُ النّهوضِ للالتحاقِ بالمدرسةِ الآن.
انتظرَتْ أن نادى عليها كالعادةِ بومغيو ابنُ خالِها من وراءِ الباب ، ثمَّ ركضَتْ تفتحُ له الباب ، آملةً في أن يكونَ يقظاً حدّاً يسمحُ له بسماعِ روايتِها لحلمِها ، لكنَّ آمالَها خابَتْ ، فَقَدْ كانَ قَدْ رحلَ قبلَما فتحَتِ الباب.
'لماذا اليوم أيضاً بومغيو!؟'
خاطبَتْ ذاتَها ، ثمَّ توجَّهَتْ إلى المطبخِ تحيّي خالَها نامجون و تتمنّى له يوماً سعيداً ، خالُها هذا هو الرّجلُ الذّي فُتِحَتْ على وجهِه عيونُ وعيِها الأولى ، الذّي تولّى رعايتَها مُذْ وُلِدَتْ ، و دون أن يشوّه في نسبِها أو يكذبَ عليها ، و بكافّةِ القدراتِ التّي امتلكَها حاولَ تعويضَ النّقصِ في حياتِها.
عانقَتْه ثمَّ شرعَتْ تعاونُه في إعدادِ الفطور ، و تبحثُ في السّرِّ عن بومغيو ، ما يزالُ الأخيرُ غاضباً منها منذُ يومين ، إذ تجاوزَتْ رأيه و توجَّهَتْ مع ابنِ عمِّها تايهيون إلى الصّالةِ القديمةِ في الحيِّ ، و قَدِ اكتشفَ عن طريقِ الصّدفةِ أنَّهما و في السّرِّ يتدرّبان على الملاكمةِ في ذلك المكان ، و على الرَّغمِ من أنَّ خالَها نامجون قَدْ منعَ عنها هذا التّدريبَ لأنَّه لا يناسبُها ، و دون مناقشةِ أحدٍ في الأسباب.
كانَتْ خائفةً من أن يشيَ بها ، فهي لا تُحِبُّ أن ينزعجَ خالُها منها ، بصفتِه كلَّ أهلِها ، و هو مع ولديه سوبين و بومغيو العائلةُ الوحيدةُ التّي تضمُّها
أنت تقرأ
مُحِقُّ الأمنيات ~ TXT
Fanfictionفي وقتٍ ما ، باتَ التّراجُعُ عن أيِّ خطأ شبه مستحيل ، من بعدِ ما كانَ الإقدامُ عليه مستحيلاً يقولون أنَّ الدّربَ إلى الخطيئةِ مُعبَّدٌ بالورود ، و أن الطّريقَ يومَ العودةِ عنها مُعبَّدٌ بالأشواك ، أمّا طريقُ المتابعةِ فيها ، فمرصوفٌ بالجمرِ لا يقودُ...