وصلَ بومغيو و تيا إلى كبينةِ الحرّاسِ في غمضةِ عينٍ و قبلَما بلغتهما أعينُ الشّرطة ، دفعَ بومغيو البابَ متوتّراً ، فهوى أمامَهما و قبلما طبّقَ عليه قوّةً أُخرى ، وقعَ اختيارُه مناسباً و لحُسنِ حظِّهما ، فالبابُ الذّي خافَ أن يعوقَ طريقهما مفاصلُه متآكلةٌ و خشبُه مهترئٌ لم يتطلّب كسرُه أكثرَ من دفعةٍ و بضعِ ثوانٍ.
أدخلَ تيا أمامَه إلى الكبينةِ و راحَ يقيمُ البابَ بحذرٍ شديدٍ و يسندُه إلى فتحتِه مرّةً أُخرى لئلّا يبانا أمام راكبي السّيّاراتِ التّي ما بانَتْ بعد.
كانَ داخلُ الكبينةِ مُعتِماً إلى حدٍّ أعتمَ على قلبِ تيا قبلَ قلبِ المشغولِ بالنّجاة ، مكّنَتْ هذه العتمةُ خيالاتِها المرعبةَ من الاستيلاءِ على عقلِها ، فبدأَتْ تشاهدُ أطيافَ حيواناتٍ تتقافزُ حولها ، ثمَّ استعادَتْ صورةَ غربانٍ تطيرُ فوقَ هضبةٍ صخريّة ، و لوهلة ، راحَتْ تتمسّكُ بملابسِ بومغيو المنهكِ ظنّاً منها أنَّ حيواناً مفترساً قَدْ يخطفُه من تحتِ شيءٍ من الأغراضِ في أيّةِ لحظة ، و لم ينتبه لها هو ، فقَدْ شُغِلَ بتتبّعِ الصّادرِ عن الشّرطةِ من خلفِ البابِ الذّي قَدْ يسقطُ إذا ما تركَه.
لحظَ ثباتَ أضواءِ السّيّاراتِ على تردّدٍ واحد ، فعرفَ أنَّ سيّارةَ شرطةٍ قَدِ استقرَّتْ في مكانٍ ما ربّما قريبٍ و عسى أن يكونَ بعيداً ، فهذا المكانُ سيحدّدُ خطوتَهم التّاليةَ من بعدِ ما يحدّدُ مكمنَ تركيزِ حواسهم.
لم يبلغ بومغيو أن تنفّسَ على نحوٍ طبيعيٍّ مُذْ بدأَ نزالُه مع خوفِه ، هو هكذا مُذْ وُلِد ، ليسَ بقوّةِ أخيه سوبين أمامَ الضّغوطِ المباشرة ، لم يكن يوماً بقوّتِه إلّا في حالاتٍ نادرةٍ هو ذاتُه لا يعي بها_"بومغيو.."
صُعِقَتْ مداركُه بسماعِ صوتِ تيا الجريح ، يُفترَضُ ألّا يصدرَ عنهما أيُّ مثيرٍ للانتباه لو أرادا النًجاةَ ممّا هما فيه حقّاً ، لا يجبُ أن يُحِسَّ شيءٌ بوجودِهما و حتّى و حواسُهما ما تزالُ تنبئ بالأمان.
شرعَ يهسهسُ لها مضطرباً ، ثمَّ و من بعدِ ما تنبّهَ لنحيبِها غيرِ المتّزنِ استدارَ نحوها و تركَ لظهرِه مهمّةَ حملِ الباب ، تناولَها بين يديه يعانقُها و يطبطبُ عليها ، لا يدركُ بالضّبطِ سببَ انهيارها في هذه اللّحظةِ و لا يعرفُ بالتّالي كيف يتعاملُ معه ، لكنَّه و بحركاتِه العفويّةِ بلغَ ما يريد ، فقَدْ قطعَ عليها عناقُه النّظرَ إلى الفراغِ المُرهبِ في الكبينة ، و ما عادَتْ تتخيّلُ أيَّ شيء.
مرَّ وقتٌ على ثباتِ أضواءِ السّيّارة ، وقتٌ قصيرٌ في اعتبارِ عقاربِ السّاعاتِ و طويلٌ جدّاً في اعتبارِ هدفِ أشواكِه ، انطفأتِ الأضواءُ من بعدِه ، و دوى في الأجواءِ احتكاكُ العجلاتِ بالطّريق.
تنفّسَ بومغيو الصُّعداءَ في تلكَ اللّحظة ، كما فعلَتْ تيا و دون أن تدري تقريباً بدوافعِ ما تفعل ، نظرَ إليها بومغيو و هي تبتعدُ عنه رويداً رويداً ، ثمَّ استدارَ بتأنٍّ و شرعَ يثّبتُ البابَ في مكانِه لئلّا يسقط.
احتاجَ البابُ محاولاتٍ كثيرةً حتّى اتّزنَ لوحده ، لكنَّ شكلَه ما عُدِّلَ و لا بأيّةِ طريقة ، ظلَّ يبدو مخلوعاً مستنداً لمن يقربُه في الخارج.
استسلمَ بومغيو و نفضَ الغبارَ من على كفّيه ، كانَ يهدفُ لاستكشافِ محتوياتِ الكبينةِ في عتمتها ، غَيْرَ أنَّ تيا قاطعَتْ تحرّكاتِه بأن عانقَتْ ذراعَه و خبّأت فيها وجهَها.
تركَها على حالِها برهةً وجيزةً احتاجَها في استيعابِ ما حدث ، ثمَّ و من بعدِ ما أفاق ، حاولَ تحريكَ يدِه ليكشفَ عن وجهِها ، فانتقلَتْ مع يدِه و دون أن تحرّكَ وجهها مقدارَ شعرةٍ واحدة
أنت تقرأ
مُحِقُّ الأمنيات ~ TXT
Fiksi Penggemarفي وقتٍ ما ، باتَ التّراجُعُ عن أيِّ خطأ شبه مستحيل ، من بعدِ ما كانَ الإقدامُ عليه مستحيلاً يقولون أنَّ الدّربَ إلى الخطيئةِ مُعبَّدٌ بالورود ، و أن الطّريقَ يومَ العودةِ عنها مُعبَّدٌ بالأشواك ، أمّا طريقُ المتابعةِ فيها ، فمرصوفٌ بالجمرِ لا يقودُ...