وصلَ سوبين بابَ بيتِه دون طاقتِه ، ذهنُه كانَ مشوَّشاً بألفِ خاطرةٍ ، و جسدُه يشكو قلّةَ النّومِ و قلّةَ الاكتراث ، يضعُ الآنَ عنواناً عريضاً على كلِّ مشاعره ، مفادُه أنَّ النّهايةَ على وصول.
ضربَ يدَه على جيبِه يبحثُ عن المفاتيح ، لم يستغرب أنَّه ما وجدَ شيئاً في حوزته ، فآخرُ ساعةٍ أنهَتْ كاملَ قدراتِه على الإدراك ، لن يذكرَ أبداً أين راحَتْ أغراضُه ، و لن يذكرَ ما إن كانَتْ برفقتِه أصلاً.
دفعَ البابَ بهوانٍ شديدٍ عوّضَه بأن ركّزَ على هذه الدّفعةِ وزنَه كاملاً ، فانزلقَ و وقعَ في أرضيّةِ صالةِ البيت ، كانَ البابُ مفتوحاً و لم ينتبه له أيضاً.
نهضَ بعدَ مرورِ برهةٍ لا يُحسِنُ قياسَها ، و توجَّهَ مترنّحاً إلى غرفةِ نومه ، استندَ في طريقِه إلى كلِّ ما بلغَتْ يدُه ، و ما استندَتْ روحُه الخاويةُ إلى بصيصِ أمل ، كلُّ الأضواءِ التّي رأى كانَتْ أضواءَ سيّاراتِ الشّرطة ، هكذا كانَ ينهي لعبةَ الفيديو مع أخيه بومغيو ، لكنَّ اللّعبةَ التّي يلعبون بلا نهاية ، و قَدْ سلبَتْه شريكَه فوقَ كلِّ عيوبِها.
جلسَ فوقَ سريرِه يراقبُ جدرانَ الغرفة ، سرعانَ ما وقعَ نظرُه على صورةٍ معلّقةٍ فوقَ مكتبه ، صورتِه من احتفالِ تخرُّجِه من الثّانويّة ، يقفُ إلى قربه أبوه الذّي ظلَّ شامخاً إلى ما سبقَ لحظةَ المشاهدةِ بساعات ، و بومغيو المُتَّهمُ البريءُ الذّي لن يعودَ بريئاً إذا ما وطئ السّجون ، و تيا ، الطّفلةُ الوحيدةُ التّي ذاقَتِ اليتمَ مرّتين.
ما الذّي فعلَه ليُقلَبُ عالمُه رأساً على عقبٍ و في غضونِ أيّامٍ لا أكثر؟ ألأنَّه حاولَ تحقيقَ أحلامِه؟ ألأجلِ هذا دُمِّرَتْ مقدّراته؟
تساءلَ على نحوٍ مؤذٍ ، ثمَّ شرعَ يبكي بغيرِ هدىً ، عادَ يفكّرُ في أخيه المسكينِ و ما سيذوقُه من عذاب ، عادَ يفكّرُ في أنَّه كانَ واقفاً إلى قربه في تلك اللّحظة ، و لم يفعل شيئاً ليردَّه عن الإجرامِ في حقِّ نفسه ، كانَ يقفُ مكتوفَ اليدين ، و ما ردَّه عن الاقترابِ من رجالِ الشّرطةِ و على الرَّغمِ من أنَّه يعرفُ بأنَّ ردَّ فعله سيكونُ جهنميّاً ، أخذَ يفكّرُ و يلومُ نفسَه حتّى وقعَ في حلقةٍ مفرغة ، لن تنتهي إلّا بانتهائه_"لم أفعل شيئاً! لم أنقذه!"
صرخَ غاضباً ثمَّ هبَّ يرمي الصّورةَ من على الجدارِ و يكسرُ إطارَها المزخرف ، تناثرَتْ أشلاءُ الزّجاجِ و الخشبِ فوقَ الأرضيّة ، و ظلَّ هو ثابتاً يحدّقُ فيها ، و ينتظرُ أن يهدأ تنفُّسُه.
أغمضَ عينيه يحاربُ فكرةً شاذّةً عن عادةِ أفكارِه تلوحُ في رأسِه كلّما لمحَ قطعةَ زجاج ، كانَ يعرفُ أنَّها أقوى منه في حضورِ ذكرياته ، لكنَّه ما تكهّنَ بانتهاءِ قدرتِه على المقاومةِ أمامها و لا في أيِّ وقت ، و مع أنَّه باتَ يواجهُ بعضَ التّرحيبِ بها في رأسِه ، بحجّةِ أنّه إمّا سيستيقظُ من هذا الكابوس ، أو سيتخلّصُ من الحياةِ في حضوره.
و قبلما قرّرَ في شأنِها ، شعرَ بكفٍّ يلامسُ ذقنَه و يرفعُ وجهَه ، نظرَ إليها مستفهماً ، و إذ بها يدُ امرأةٍ بيضاءَ ذاتِ خمارٍ أسودَ تدنو منه و تنظرُ في قلبِ عينيه ، تأمّلَ وجهَها لبعضٍ من الوقتِ ، ثمَّ استذكر ، هذه هي من تملكُ في الذّاكرةِ أركاناً حلوةً ضبابيّة ، هذه هي عمّتُه نامجو
أنت تقرأ
مُحِقُّ الأمنيات ~ TXT
Fiksi Penggemarفي وقتٍ ما ، باتَ التّراجُعُ عن أيِّ خطأ شبه مستحيل ، من بعدِ ما كانَ الإقدامُ عليه مستحيلاً يقولون أنَّ الدّربَ إلى الخطيئةِ مُعبَّدٌ بالورود ، و أن الطّريقَ يومَ العودةِ عنها مُعبَّدٌ بالأشواك ، أمّا طريقُ المتابعةِ فيها ، فمرصوفٌ بالجمرِ لا يقودُ...