17

76 10 8
                                    

تصفَّحَ سوبين كلَّ الأوراقِ المُتعلِّقةِ بالمعسكرِ الدّينيّ ، الأوراقُ مصفرّةٌ حبرُها شبهُ مضمحلّ ، عسّرَ عليه هذا الأمرُ قراءتَها بعضَ الشّيءِ و على العكسِ ممّا بدا على ليا فيما سبق ، لكنَّه و بعدَ جهدٍ جهيدٍ استطاعَ أن سحبَ منها عنواينَ منازلِ آلِ مين أصحابِ المُعسكرِ المزعومين ، في حين انشغلَتْ بنتُ عمِّه بمراجعةِ سجلِّ أرقامِ الهواتفِ و ترتيبِ الكتبِ في مكتبِ أبيها ، فآنفُ الذّكرِ لو حدثَ و ألمَّ بأيَّ خللٍ في ترتيبِها ، سيقلبُ البيوتَ جميعاً رأساً على عقب ، و سيوقعُ أسقفَها فوقَ رؤوسِ المخالفين هؤلاء.
طوى سوبين الورقةَ و همَّ يعيدُ توضيبَها في ظرفِها الخاصّ ، و آنَ أنهى ، نهضَ و توجّهَ إلى حيثُ تجلسُ ليا يهمُّ بإعادةِ الظّرفِ إليها ، بَيْدَ أنَّه تأخّرَ كثيراً في مرحلةِ التّنفيذِ الأخيرة ، إذ وقعَتْ عينُه على ما هو خاصٌّ جدّاً في هذا الظّرف ، وقعَتْ على رسمِ فراشةٍ ضئيلٍ باللّونِ الأزرق ، منقوشاً إلى قربِ تاريخِ الإرسالِ و التّوقيع.

'الثّاني من أيلولَ عامَ ثمانين و تسعمائةٍ و ألف'

تمعّنَ في التّاريخِ برهةً وجيزة ، ثمَّ دوّنَه على وريقةٍ خارجيّةٍ وضّبَها في جيبِه و ناولَ ليا الظّرف ، التّاريخُ هذا يمثّلُ ذكرى واحدةً في عقلِ سوبين ، هذا يومُ ولادةِ تيا..
ما الذّي يجمعُ بين رسومِ الفراشةِ في كتبِ مُحِقِّ الأمنياتِ و هذه الرّسالة؟
ثمَّ ما الذّي يجمعُ بين تاريخِ إرسالِها و يومِ ولادةِ تيا بالذّات؟ و لماذا يحتفظُ سوكجين بها منذ ذلك الوقت؟
غرقَ عقلُ سوبين ما بين الأسئلةِ و رغبةِ الحصولِ على الأجوبة ، ثمَّ بين الاحتمالاتِ و التّكهّنات ، و أخيراً غاصَ في التّخوّفاتِ و الوساوس ، و التّي لا ينقذُه منها إلّا اكتمالُ معارفِه عن تلك الفترة ، و نبأُ انتهاءِ أسطورةِ مُحِقِّ الأمنياتِ إلى الأبد ، الأوّلُ ممكنٌ مع احتماليّةِ إفادةٍ ضئيلة ، أمّا الثّاني فيجيءُ بإمكانيّةِ إفادةٍ أكيدة ، و لكن مع احتمالِ تحقّقٍ فمستحيل

_"سوبين.. انظر.."

أفاقَ سوبين من غفوتِه إذ مُدَّتْ في وجهِه مجموعةُ أوراقٍ مُصفرّةٍ أُخرى ، الأوراقُ في هذه المرّةِ مختومةٌ و رسميّة ، لذلكَ تنازلَ عقلُه عن الشّرودِ في سبيلِ الاطّلاعِ عليها
'وصايةٌ قانونيّة'
قرأ سوبين مضمونَ الورقةِ شبهَ غائبٍ عن الوعي ، ثمَّ قلّبَ الأوراقَ و أخذَ يقرأُ المكتوبَ فيها برويّة ، و عندَ الوصولِ إلى الورقةِ الأخيرة ، ضربَ على جبهتِه ، و أخذَ مغمضَ العينين يهوي ببطءٍ حتّى وصلَ جسدُه الأرض

_"ما خطبُكَ سوبين؟ هل أنتَ على ما يُرام؟"

أوحى شكلُه لها بأنَّ النّهايةَ على وشكِ الحلول ، لذا هرعَتْ إليه تدنو منه و تسألُه عن حالِه ، و دون أن تدركَ عن أيّةِ نهايةٍ يتكلّمُ هذا الخاطر

مُحِقُّ الأمنيات ~ TXTحيث تعيش القصص. اكتشف الآن