10

85 11 0
                                    

المشهدُ الذّي حُرّمَتْ علينا رؤيتُه كانَ قد بدأ ، و أبدى لي استحالةَ الهربِ بأعظمِ أساليبِ التّرهيبِ و التّخويف.
ألقيتُ نظرةً على أطرافي إثرَ مرورِ برهةٍ على استسلامي ، كانَتْ متجمّدةً تُحرِّكُها رجفةٌ طفيفة ، كما لو كانَتْ جسدَ إنسٍ على أعتابِ الموت ، لكنَّها جثّتي أنا ، أنا التّي ما بلغْتُ حتّى محاولةَ إنقاذها ، لا قرارَ في يدي ، لا أقاومُ و لا أستسلم ، حاضرةً غيرَ مؤثّرة ، أشهدُ آخرَ لحظاتي على قيدِ الحياةِ شبه راضية..
أخذْتُ أستعيدُ في رأسي ذكرى المشهد ، كانَ محورَه رأسُ رجلٍ ضخمٌ مُلقىً على الصّخورِ و غارقٌ في دماءٍ حارّة ، تقفُ الغربانُ فوقَه و تنهشُ لحمَ وجهِه ، ثمَّ تقربُ عينيه ، فتبتعدُ عنه فزعة.
ما علمتُ بما حدثَ قبلما أعدْتُ إليه ناظريّ ، وجدتُ عينيه تنيران بضوءٍ أزرق ، حسبتُ أنّني قَدْ وصلْتُ ذروةَ خوفٍ أفقدتني أحاسيسي ، غَيْرَ أنَّ ذلك الرّأسَ و بحركةٍ طفيفةٍ رمى بذلك الاعتقادِ إلى الأهوال ، و جعلَني أبكي و أبكي خوفاً..
كانَ يستديرُ في اتّجاهي ، و أنا لا أستطيعُ الهرب..
ليس و كأنّه مفصولٌ عن الجسد!
تخدّرَ كاملُ جسدي و خرجَ عن إرادتي ، كانَ الرّأسُ بمرورِ الوقتِ يتحرّكُ ليلتفتَ نحوي ، و قَدْ كُنْتُ أذرفُ الدّموعَ و أواجهُ انفراغَ خاطري بقلبٍ يحتضر
هذه نهايتُكِ يا تيا!

.
.
.

لم تستجب تيا لأيٍّ من النّداءاتِ فيما حولها ، لم تشعر حتّى بضرباتِ بومغيو و شدّةِ قبضتِه حولَ جسدِها ، فَقَدْ غرقَ استيعابُها في المشهدِ المُحرّمِ الذّي شهدت.
و في النّهايةِ استسلمَ بومغيو و ما عادَ يبتغي أن تستجيبَ له أو تعاونَه ، و شدَّها نحوه بأشدِّ ما تمكّنَ حتّى استطاعَ نزعَها عن صخور الحافّة ، غَيْرَ أنَّها ما استفاقَتْ ، و أخلَّتْ بتوازنِهما إثرَ تجمّدِها ، فهوى الاثنان يتدحرجان على ارتفاعِ الهضبةِ وصولاً إلى الأرض.
هرعَ سوبين و تايهيون نحوهما ، و استطاعا في آخرِ لحظةٍ أن يمسكا بهما و يوقفا تدحرجهما ، لكنَّهما ما وجدا في يديهما من حيلةٍ أُخرى ، إذ كانَ بومغيو غائباً عن وعيه تقريباً ، و يشدُّ في حضنِه على تيا لئلّا تتأذّى ، و في آخرِ الدّقائق ، شقَّ صوتُ بوقِ انتهاءِ اللّعبةِ غمامةَ قلوبِهم ، و انتشلهم من حيث غرقوا
لم ينجح أيُّهم في استحضارِ مُحِقِّ الأمنيات ، و قَدْ كادوا يخسرون بعضهم في هذا السّبيل..

.
.
.

عبرَ الضّوءُ بطيئاً جدّاً من شقِّ جفني سوبين إلى وعيه ، ثمَّ مرَّ سريعاً إلى استقرائه فأقرَّ عليه النّهوض ، و إذ فعل ، استذكرَ ما جرى من أحداثٍ في آخرِ مرّةٍ استفاقَ فيها.
تلفّتَ حوله فزعاً ، و بسرعةٍ بالغةٍ قفزَ من فوقِ سريرِه ، استيقظَ في غرفتِه كما سبقَ و فعلَ في المرّةِ السّابقة ، و كما بالضّبطِ فعلَ فيها ، خشيَ مُذ فتحَ عينيه مكروهاً قَدْ يصيبُ أحدَ أصدقائه.
هرعَ نحو غرفةِ أخيه أوّلاً ، فتحَ بابَها دون استئذانٍ و انكبَّ على سريرِه يبحثُ عنه و يتفقّدُ حاله.
و بعدَ ثوانٍ وجدَه ، لكنَّ خوفَه ما اضمحلّ و ما زال ، بل و كبرَ حتّى غطّى مواضيعَ كثيرة ، خاصّةً من بعدِ ما رأى تيا إلى جانبِه

مُحِقُّ الأمنيات ~ TXTحيث تعيش القصص. اكتشف الآن