الفصل الثالث
من رواية: الوقوع
بقلمي:
نورهان خالدحين أعلن الأب عيد، بكل حزم وصرامة، أن يوم زفاف ابنه الأكبر عمرو على بسملة سيكون أيضًا اليوم ذاته لزواج مازن من فيروزة، لم تكن الصدمة تعتلي ملامح مازن وحده؛ بل طالت كل فرد في العائلة.
الأم أمل، التي كانت قد عرفت برغبة زوجها صباحًا، شعرت بزلزال داخلي يهز كيانها. هي نفسها كانت قد سمعت كلماته حين أخبرها بنيته في تزويج مازن من فيروزة، ولكنها لم تتوقع أن يُقدم على ذلك بهذا الأسلوب المتجاهل لمشاعر أبنائهم، كانت قد طلبت منه أن يحصل على موافقة أبنائهم أولًا، وبخاصة مازن الذي كانت تعلم مدى تعلقه برودينا، وكيف رأى في فيروزة أختًا لا أكثر. وافقت على كلام زوجها بتردد، وكأنها تراوغ بين القبول والرفض، آملة في أن يمنحه تفكير الأبناء فرصة للتراجع.
لكن في تلك اللحظة، رأت أمل بوضوح تام أن عيد لم يُلقِ بالًا لكلماتها، وأنه قرر دون اعتبار لرغبات أبنائه. انصدمها لم يكن لمجرد رفض القرار بل شعرت أنها أخطأت بحق أبنائها حين لم تكن أكثر قوة وصراحة في معارضة رغبة زوجها منذ البداية. نظرت إلى مازن، نظرة استجداء غير معلن، كأنها تقول له: "سامحني يا ولدي، لم أتوقع أن يحدث كل هذا."
مازن بدوره، كان يعاني من صراع داخلي أكبر مما قد يعبر عنه بنظراته الباردة. كان ينظر إلى والده كأنه يراه لأول مرة، شخصًا غريبًا قرر فجأة أن يُلغي جميع أحلامه في لحظة. رؤيته للأمر كانت واضحة: هو يحب رودينا، وقد بنى أحلامه منذ اللحظة التي التقاها فيها في الجامعة، يرى مستقبله معها ويشعر بقلبه ينبض لها وحدها. لكن والده، وعلى الرغم من علمه برغبته، تجاهل ذلك تمامًا، وكأن مشاعره ورغباته مجرد أوهام لا وزن لها في قرارات العائلة.
فيروزة بالنسبة لمازن كانت دائمًا كأخته، مقربة منه تمامًا كأخته مروة، ولهذا السبب كانت فكرة الزواج منها غريبة ومتناقضة لكل مشاعره. كيف سيتعامل مع من كانت في مخيلته شقيقة إن صارت شريكة حياة؟ انبثقت في داخله مشاعر مرارة وخيبة، وعجز عن التصديق أن والده يجرده من حريته في اختيار شريكة حياته، بل والأدهى أنه يحاول فرض مصير لم يكن يتصور حتى التفكير به.
الأم أمل وقفت تتأمل عيني عمرو ونظرات مازن، وكأنها تستشعر اتهامًا صامتًا منهما. شعرت في تلك اللحظة أنها خانت أبنائها حين لم تكن أكثر إصرارًا في معارضة زوجها صباحًا، كأن صمتها أضفى شرعية على ما قرره الأب. وخلال لحظات التوتر تلك، أدركت أن تبعات هذا القرار لن تتوقف عند الزفاف؛ بل ستؤثر على علاقة الجميع داخل البيت، وربما تغير مفهومهم عن الحب والمستقبل.
غادر الأب بغضب فجأه فأقترب عمرو نحو أخيه وقال
_متقلقش اكيد مش هيحصل كده.ولكن حالة مازن لم تسمح له في الحديث.
أنت تقرأ
الوقوع_قيد التعديل
Historia Cortaفي ذلك البيت القديم الذي تنفست فيه طفولتها وصراعاتها، كانت تتجول مشاعرها بين أروقة الماضي والحاضر. عاشقة بصمت، لا تجرؤ على البوح بحقيقة ما في قلبها، وهي تعلم أن قلبه بعيد، بل ربما لا يراها إلا كظل مألوف في حياته. لكن الأقدار كانت تدبر شيئًا مختلفًا،...