فصل جديد ~

184 14 1
                                    

الثالث من أيلول ، 2015 
الواحدة والنصف ظهراً ..

- و بهذا نكون انتهينـا تماماً .
قالت زينب وهي تزيل علاقّة المفاتيح من نسخـة مفتاحها وخاصة جُلّنار وتسلم مفاتيح المنزل تالياً لبهاء  بالوقت الذي وقفتْ جُلّنار فيه عند المدخل ورائها كُل من زينب و زوجها تحدق في الشقة الخالية من كُل شيء سواهم كحالها يوم جاءوها اول مرة رفقة العم مؤيد لمعاينتها ، المكان الذي ضمّـها لأكثر من خمس سنوات وشهد على الكثير من الضحكات والدموع والمحن كما وارى خلف بابه أكثر وأحاط سُكانـه بالحماية والأمان .. أمان المنزل والملجئ حان الوقت لوداعـه بالنهايـة كحال كُل شيء .

- هل نغادر عزيزتي ؟
تسائلت زينب وهي تحيط جُلنار من كتفيّـها فأجابت الأخيرة ؛
- أشعر اني سأترك جزء كبير من حياتي ها هنا ، أتصدقين ؟
- معكِ حق لكن كل شيء سيبقى محفور بداخلنا قبل الحوائط والأمكنة.
التفت جُلـّنار نحوها وابتسمت ليغادرا بعدها يتبعهم بهاء وقد سلم مفاتيح الشقة لصاحب البناية الذي كان ينتظرهم بالأسفل .
- الى أين الآن يا سيداتي ؟
- " TO THE MOON, PLEASE "
(نحو القمر من فضلك ) .. أردفت زينب بمرح مجيبة زوجها مما أضحك جُلّنار وهي تدرك ان الاثنين يحاولون التخفيف عنها ..قالت ؛
- أعيدوني للفندق من فضلكم
- أيّ فندق ! ستتناولين الغداء معنا أولاً
- لا استطيع صدقوني لابّد ان والدتي تنتظرني وقد تأخرت عليها
- زينب قولي شيئاً ما ..
تحدثت زينب بحزم لا يقبل النقاش ؛
- جوجو اتصلي بلغي خالتي إن تتجهز ريثما نصل وسنتناول غدائنا معاً انتهى الأمر .
- بهاء ما نوع العلاج الذي قدمتـهُ لها وحولها هكذا لا زلت اتسائل حتى اليوم !
- صدقيني انا ايضاً .
رمقتْ زينب جُلنار -التي تجلس في الخلف- بحدة من المرآة الأمامية للسيارة وهي تقول ؛
- اتصلي بخالتي !
- حاضر .
بعدها بقليل وصلوا الفندق حيث تنزل جُلّنار ووالدتها هذين اليومين ريثما تُنهي امور النقل وتسليم الشقة ، فأنضمتْ لهم السيدة عذراء شاكرة بهاء وزينب على مساعدتهم وايضاً دعوتهم للغداء .

عادت جُلّنار رفقة والدتها صباح اليوم التالي للجنوب محملة ببقية حاجياتها التي نقلتها من الشقة ، استقبلهم ياسر ليقول ضاحكاً وهو يرى كمية الكتب والمفكرات التي ملأت صندوق السيارة الخلفي :
- يبدو ان مكتبة كلية الطب بأكبرها نُقلت إلينا ! هل قرأتي كُل هذا حقاً ؟!
- اياك ان يُخدش شيء منهم عزيزي ، عُمري هنا !
- ماذا اقول مع رؤية جبل كهذا بات جنونكِ مُبرراً الآن !
تنهد وهو يتوجه بمجموعة من الصناديق للداخل مواصلاً ؛
- السؤال اين سنضع كُل هذا ؟ غرفتكِ لن تَسِعْ لكِ حتى لو وضعتي كُل تلك الصناديق فيها .
- سنتصرف .. كفوا عن الجدال وادخلوا الاغراض .
قالت السيدة عذراء خاتمة نقاش أبنيها الذي لا طائل منه وهي تتقدمهم في الدخول للمنزل ، وفعلاً نقلوا كل الاشياء بعدها بصمت حتى فرغت السيارة من كل ما كان يشغلها بالوقت الذي تكومت به مغلفات وحقائب جُلّنار بالصالة ووقفت الأخيرة تطالعهم بحيرة وتحذير لياسر الذي يتصفح أحد مراجعها بالقُرب ؛
- لو كنت مكانكِ لتبرعت بهم لأحد الطلبة الجُدد ، بدلاً من حيرة كهذه
- الكلام سهل أتعلم كم الدراسة والسهر بين هذه السطور .. ثم هناك معلومات مدونة بسنواتي الأولى لن اجدها ولو بحثت لسنـة لاحقاً
- فلتغرقي بمفردكِ اذن ، لن انقل هذه الاشياء مرة أخرى حتى غرفتكِ ليكن بعلمك !
- اتعبناك يا اخي !
- حظاً موفقاً في العَـوْم .. انا ذاهب للعمل ، اتصلي بي لو احتجتم شيء من الخارج .
- اذا وجدت بعض الضمير فلـتبتع لنفسكَ القليل !
هتفت جُلّنار بتعب بينما لوح لها ياسر بأستفزاز واغلق الباب خلفه مغادراً ،ارتقت هي السلم متجهة لغرفتها لتستريح مؤجلة امر تنظيم اغراضها حتى لاحقاً بعد ان طلبت من والدتها ان لا يعبث بهم أحد وانها متجهة للنوم .
ما هي الا دقائق بعد استلقائها في سريرها ..وقد غطت جُلّنار بعالم الأحلام بالفعل فقد كانت متعبة جسدياً و كذلك مرهقة نفسياً من كمية التغييرات التي وجدت نفسها بخضمها اليوم أضافةً لكثرة مواجهة الوادع في الآونة الأخيرة وان كان بعضه سعيداً يظل هناك وحشة خاصة تتولد بعد كُلّ وداع ، مضى على تخرجها شهرين تمكنت فيهم من ترتيب أمورها المتعلقة بالجامعة وانهاء أيّ امور أخرى عالقة ببغداد كما قدمتْ أوراقها الرسمية لأجل الوظيفة وآخر الأمر انهوا -هي والفتيات - عقد ايجار الشقة ببغداد وهكذا انتهى فصل آخر جميل ومليء بالتحديات من حياة صديقتـنا التي كانت حتى قبل ساعات فقط تشعر بالضياع لكن ما ان دخلت غرفتها بمنزل والديها وعانقت وسادتها غطت بنومها مطمئنة .. طمأنينة من فعل كُل بل وأكثر مما بوسعه وهو الآن ينتظر قادم الأيام مسترخياً ورُبما بالنسبة لجُلّنار مخططاً لفصلٍ جديد .
_______________

غـِـمَار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن