إنّـه هنـا

220 20 1
                                    

الثالث ، شباط ، 2023
السابعة صباحاْ ..

لم يكن صباحاً عادياً .. نهضت جُلّنار من نومها نشيطةً للغاية وكإنّها نامت عمراً ، بدئت طقوسها الصباحية برائحة القهوة المنعشة وصوت فيروز الذي يبثُ الدفء في برودةِ الشتاء لاحظت إنّها استيقظت باكراً اليوم لتقرر اعداد الفطور لوالدتها قبل ايقاظها وبينما ابريق الشاي يجاهد لبث الدفء في المطبخ استغرقت هي في التفتيش بخزانتها لأختيار ثياباً تليقُ بمزاجها اليوم ، وصلها صوت والدتها بعد دقائق وهي تهتفُ مادحة من جمال مائدة الفطور وتعقب بتحية الصباح عند رؤية جُلّنار :
- صباحُ الخير أُمي ، نهضت باكراً لذا أردت إن نفطر سوياً قبل خروجي .
- سلمت يداكِ صغيرتي ، هيا ضعي لنا الشاي لنأكل
- ليختمر الشاي ريثما أغير ثيابي.
ترتدي ثيابها التي اختارتها بعناية وهي تتوسط بين رسمية ثياب العمل وإن تلائم اجواء الشتاء الهادئة ،كنزة صوفية بيج وبنطال بدرجة فاتحة من البُني ومعطف عسلي طويل واقتنعت ان اطلالة كهذه سيكملها ارتداء حذاء بكعب عالي تخط كحلها بعناية وترتدي ساعتها مع خاتم يلائمها ، تغادر الغرفة وهي منشغلة بغلق سحاب حقيبتها.
-  ماكُل هذه الاناقة اليوم عزيزتي ، هل هناك مؤتمر ما أم إنّكِ ستخرجين برفقة زملائك ؟
- لاشيء محدد أُمي ، لكن روادني هذا الخاطر بما إنّني نهضت مفعمة بالحيوية اليوم ، هل بالغت ؟
- لا لا ، أنا فقط تسائلت لأنكِ عادة ترتدين ثياب اكثر عملية للمشفى  وإلاّ فأنتِ تبدين جميلة للغاية .
تبادلن الاحاديث فيما بينهن حول المائدة جُلّنار تنظر لساعتها بين الفينة والأخرى ووالدتها تقص عليها آخر اخبار اخوتها وضع شركة ياسر لم يتحسن بعد بل ربما ازداد سوءاً وهي تخشى عليه ، هـبة تشاجرت مع زوجها مجدداً وهي قلقة عليهم ومن الواضح رغبتها بالعودة لكن جُلّنار لم تجرؤ على اخبارها بإن تعود للاستقرار معهم في الجنوب لأنّها بالطبع سترفض حيث باتت الأخيرة تقضي معظم ايامها لدى جُلّنار وقد تقاعدت من عملها نهآية العام الماضي ، أكتفت جُلّنار بطمأنتها إنّها ستتصل بياسر لتعرف اخر التطورات عنده كما إنّها تملك فكرة حول كيفية حل الخلاف بين أختها وزوجها قبل ان تنهض على عجل وهي ترتشف من كأس الشاي خاصتها رشفة اخيرة .
- اوه ، يبدو إنّني تأخرت سأذهب لارتداء حجابي أمي لا تشغلي بالكِ كثيراً كل شيء سيكون بخير .
تقبل والدتها وتنهض مسرعة، بعد عدة دقائق ترتدي معطفها وتخرج حاملة حقيبتها وجهازها اللوحي ،تقود سيارتها حتى المشفى لتصل بعد قُرابـة النصف ساعة ، استبدلت نظارتها الشمسية بأُخرى طبية وهي تدلف للمصعد الذي كان فيه ممرضتين وقبل إن تُغلق ابواب المصعد اوقفتها احداهما حتى يتسنى للطبيب سيف الصعود أيضاً ، ألقى التحية وهو يركز نظره على جُلّنار الواقفة في الخلف وسرعان ما ابعد بصره وهي ترفع رأسها مرة أخرى بعد اغلاق حقيبتها بينما ردت الاخريات تحيته ، غادر سيف المصعد أولاً لتقول الممرضة الأولى بأعجاب مبالغ به ؛
- أليس رائعاً !
تُجيب الاخرى :
- رائع فقط انه قطعة نادرة ! وسيم ومحترم وأمهر طبيب في قسم العيون زيادة على خلفية عائلته العريقة
- على قولك ، رغم إنّي سعيدة لأنه لا زال عازباً لكن من تلك الغبية التي جحدت بهكذا نعمة ؟!
- تعنين الطبيبة التي كان يحبها ورفضته ؟ بالفعل إنّها مدعاة للغضب !
وعند هذه النقطة اطرقت جُلّنار السمع لحديث الاثنتين الواضح أفتتانهم بذلك الطبيب .
- لا اعلم ماذا سأفعل لو رأيتها ، كيف تجرأت !
- يقال إنّها منغلقة التفكير ورجعية جداً رغم صغر سنها
- هل هي في قسم العيون أيضاً ؟
- لو كان هكذا لتعرفت عليها ممرضات قسمهم ، هي من قسم آخر.
توقف المصعد فعادرتْ جُلّنار وهي تفكر بكمّ الانتقادات الموجهة لها من قبل " رابطة معجبات طبيب سيف " الذي رفضته قبل شهر .
خلعت معطفها وارتدت مئزرها الابيض ما إن وصلت غرفتها في الردهة وباشرت عملها الصباحي بتفقد المرضى أولاً و استقبال مراجعي الاستشاريـة لاحقاً ، هي تشعر بنشاط وارتياح غريب على الرغم من كونه يوم عمل عادي .
ما إنّ فرغتْ من استقبال المراجعين بعد ساعة ونصف ، امسكت هاتفها واتصلتْ على زوج أختها بعد عدة رنات فتح الأخير الخط ليقول بعد تبادل التحيـة والسؤال عن الأحوال :
- لقد اشتكت لكِ مني ألم تفعل ؟
- لم تفعل
- حقاً !
- هي لا تشتكي عامةً بل أفرغت لي مكنونات صدرها لا غير
- اوه طريقة ألطف لوصف مدى مبالغتها بالآونـة الأخيرة
- علي هل تعرف زوجتك حقاً  ؟
- انا افعل !
- إذاً لابّد ان تدرك إنّها تعيش فترة ضغوطات بسبب الحمل وليس وكأنها شخص يختلق المشاكل بلا سبب ودعنا لا ننسى إنّك شبه موجود في الأيام الاخيرة
- إنها فترة حرجـة لأجل المشروع الجديد وسبق واعتذرت منها مئات المرات ماذا افعل !
- ليذهب المشروع الجديد للجحيم علي وأنا صادقة لا شيء أهم من هبـة وصغيريـك ، ريحان ايضاً ستتأثر من ناحية انت مشغول ومن ناحية اخرى والدتها المرهقة ولا تستطيع وهبها الوقت والرعاية الكافية كما السابق
- هل ادع العمل يفشل
- احرص ان لا تفقد دفء أسرتك الصغيرة وكُل شيء سيكون بخير بعدها انا واثقة ، مجرد ان يأتي المولود الجديد هبـة بنفسها ستطالبك المغادرة للعمل لكنها الان متعبـة وخائفة من حدوث اي مضاعفات نتيجة هذا التعب فلتكن جنبها
- أنا مدرك
- جيد إذاً .. هل اختار انا باقـة الازهار يا سيد مشغول أم ستقتطع وقتاً وتبتاعها بنفسك ؟
- ليس لهذه الدرجة حولتني لزوج بليد تماماً ، احتفظي بجهودكِ لأخيك المعتوه مستقبلاً
- لن أسمح لك ياسر عاطفي انتم فقط لا تفهموه !
- اجل اجل صدقتك ، ارسلي لي فقط المقاس الدقيق لحذاء ريحان
انا اخطئه في كُل مرة سأبتاع لصغيرتي حذاءاً للنُزهـة ..
تضحك جُلّنار مردفـة :
- لنتظاهر ان هذه المحادثـة لم تحدث ، وإلّا سأخرب لك المفاجأة .
- أحسنتِ ، فلتنتبهي لنفسكِ وابعثي سلامي لعمتـي .
- رافقتك السلامة .
دعت جُلّنار الربّ لأجل أختها واسرتها ان يتم عليهم الربّ هذه المودة وان تنهض سالمة بعد ولادتها القريبـة .

غـِـمَار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن