الخامس ينـٓاير ،2024
غادرت جُلّنار مرآب المشفى بعد انهاء المكالمة مع والدتها عند الثالثة ظهراً .
توقفت بسيارتها أمام محل لبيع الحلويات وهي تترجل منها مسرعة .. ابتاعت علبة حلويات و علبة ماكرون لأجل قبس ، شكرت صاحب المحل مغادرة لتتجه هذه المرة نحو منزل ليث وكان قد طلب منها الحضور لرؤية اخر التعديلات في المنزل .الثالثة وخمس واربعون دقيقة ظهراً ..
سمع ليث رنين جرس المنزل لينهي المكالمة مع طاهر ويتجه للأسفل ، فتح الباب الخارجي ليستقبله وجه جُلّنار المبتسم رحب بها مبتسماً بسعادة هو الآخر؛
- يا اهلاً وسهلاً ، تفضلي .
ارادت ان تجتاز الباب ليمنعها قائلاً من فوره بمرح :
- بقدمكِ اليمين ! ادخلي منزلكِ بقدمكِ اليمين حبيبتي .
تضحك وتجتاز عتبة الدار بقدمها اليمين بالفعل لتقول بعدها ؛
- لم اكن اعلم إنّك تؤمن بهذه الامور ..
- انا لأجل الحفاظ على هذه السعادة سوف أؤمن بأي شيء !
تبتسم له بحُبّ ليغلق الباب ويعانقها قائلاً :
- أنار المنزل بقدومكِ عزيزتي ..
تبادله عناقه دون قول شيء ليدلفوا بعدها معاً للداخل تناوله الكيس الحاوي على علبة الحلويات بينما تتطلع لما حولها بهدوء
مدخل صغير ومن ثم صالة واسعة يقبع السلم في اقصاها ، على اليسار هناك باب واسع يبدو انّها غرفة الضيوف وفي اليمين المطبخ المفتوح على غرفة الجلوس و التي يفصلها جدار- يمتد من عند المدخل- عن بقية الصالة و يغلب على أثاثها اللون الأسود ، يتجه ليث للمطبخ ليحضر لها شيئاً تشربه فيجدها لا زالت واقفة عند عودته ؛
- أتنتظرين دعوة للجلوس ؟!
تضحك وهي تأخذ كأس العصير من يده :
- ليس هكذا انا فقط اكتشف ذوقك الهندسي .
- وكيف وجدتيه ؟
- رائع ، أحببتُ كون الغرف مفتوحة على بعضها البعض .
يجلسان ، ترتشف قليلاً من العصير لتقول بعدها :
- هل قبس نائمة ؟
- نعم ، غطت في النوم بمجرد عودتنا من عند أُمي ، ستستيقظ بعد قليل فهي لا تطيل النوم في هكذا وقت .
- جيد فأنا مشتاقة لها جداً
- هل أريكِ المنزل قبل ان تصحو قبس لأنها قطعاً لن تسمح لكِ بالحركة بعيداً عنها بعدها.
- وهذا افضل شيء تفعله صدقني ، حسناً هيا بنا.
يجول ليث جُلّنار بالمنزل بينما يصغي لتعليقاتها بأهتمام ..
أحبت تصميم غرفة الاستقبال للغآية ، غرفة واسعة نسبياً بجدران حليبية اللون واثاث بتدرجات ذهبية تلائم تخطيط الجدران .. نافذة واسعة مطلة على الحديقة الخلفية تنسدل عليها ستارة بيضاء شفافة واخرى بلون الكراميل وباب يؤدي للحديقة.
خلف غرفة الضيوف يقع الحمام في يمين الصالة أما المطبخ فكان اكبر ممّا يبدو من الخارج وهو يتكون من ركن مفتوح على الصالة واخر خلفي أكبر بتصميم عصري ..
- اظن ان وضع طاولة الطعام في الجهة المفتوحة سيكون أجمل وكذلك اريح عند تناول الطعام صباحاً بمواجهة الصالة ..
علقت جُلّنار ليقول ليث :
- هذا عائد لكِ عزيزتي رتبيه كما تحبين ..
- سننقل مقاعد الجلوس ومعرض الأواني للمطبخ الخلفي إذاً ، كما سنحتاج طاولة صغيرة نضعها في الوسط ، أما هنا ستكون طاولة الطعام ويمكننا تزيين المكان بالنباتات.
ليقول ليث وهو يلتفت مستنداً على الاريكة في الصالون ؛
- ماذا عن الصالة ؟
- لقد أحببتُ كون اثاثها اسود اللون وترتيبك منظم جداً لكن يمكننا اعادة ترتيب الاثاث لأظهارها أجمل كذلك تبديل الستائر .
- اوه حقاً ظننتُكِ لن تحبين كونها معتمة هكذا ..
- بالعكس هي مريحة للعين وليست معتمة فالنافذة تدخل ما يكفي من الضوء الان ، اللون الاسود يبرز جمال جدرانها وكذلك لون المطبخ ، وما ان نستبدل الستائر الذهبية بأخرى من تدرجات اللون الابيض و نجعل التلفار بالجهة المعاكسة والاريكة هذه في مكانه بدلاً من كونها تعاكس المطبخ سيصبح المكان مريحاً جداً.
والطاولة في المنتصف يجب استبدالها بأخرى اقل ارتفاعاً.
- هذا يعني إن لدينا مشوار آخر لمحال الاثاث .
تضحك جُلّنار وهي ترى الملل بادي على وجهه حسناً وان كان ذوقه رائع فهو يكره زيارة محال الاثاث والبحث طوال اليوم عن قطعة معينة.
- لا تعبس انا سأرافقك لشراء الستائر في نهاية الاسبوع و بالنسبة للطاولة يمكن ان نطلبها من اي مكان عن طريق الانترنت لا داعي للذهاب بنفسك.
- هكذا اتفقنا.
يتجهون بعدها للطابق العلوي والذي يحتوي على مجموعة من الغرف - زيادة على حمام كبير- احداها غرفة ليث والتي ستصبح غرفتهم وأخرى لقبس واخرى غير مستخدمة وغرفة أخيرة هي عبارة عن مكتب ليث تدلفها جُلّناربفضول فهنا مملكة ليث المحامي الرائع، كان هناك مكتبة كبيرة تغطي احد جدران الغرفة ورفوفها تنطوي على كتب في مجالات عديدة وبالتأكيد كثير من كتب القانون وفي المنتصف منضدة بأدراج يشغل سطحها حاسوب والكثير من الملفات زيادة على طابعة وكرسي خشبي خلفها ، هناك كرسي هزاز ايضاً وضوء انارة جانبي في احدى زوايا الغرفة .
قالت جُلّنار بهدوء وهي تقرأ بعض العناوين المرصوفة في المكتبة:
- كنتُ اظن ان الطب فقط كتبه لا تنتهي لكن يبدو إن القانون كذلك .
- الطب في تطور والحكومات في تغيّر !
- على قولك !
- بابا ...
يلتفت الاثنان على الصوت النعس لقبس الصغيرة التي تقف عند الباب ؛
يعلق ليث بمرح وهو يرفعها من على الأرض؛
- صباحُ الخير حلوتي.
تواصل الصغيرة فرك عينيها حتى تصحو لتنتبه بعد لحظات لوجود جُلّنار فتهتف فرحة وهي تمد يديها أليها ؛
- جوجو !! هل اتيتي
- نعم حبيبتي لكنكِ كنتِ نائمة.
تتلقفها جُلّنار معانقة ومقبلة لتقول الصغيرة " دعينا نلعب " وتؤمى جُلّنار موافقة .
- لنري جُلّنار غرفتها اولاً عزيزتي وبعدها يمكنكم اللعب .
- حسناً .
تدلف جُلّنار رفقة ليث وقبس للغرفة كانت هي من اختارت الاثاث لكن لمسات ليث واضحة فيبدو إنّه غير طلاء الجدران لتتماشى مع الاثاث الابيض وكذلك اختار الستائر بعناية.
كانت الغرفة كبيرة وقد رتب ليث الاثاث بطريقة تجعلها تظهر اكثر اتساعاً .. لها نافذتين وهي تبدو مكونة من جزئين لوجود منطقة خلفية -مربعة- اصغر حيزاً فيها خزانة الثياب ومرآة ، جالت جُلّنار بعينيها وهي تقف في مكانها عند الباب ، السرير في المنتصف يواجه الباب ومنضدة التزيين تقع أمامه و الى ورائها ركن الخزانة .. على اليسار نافذة كبيرة الى الاسفل منها اريكة وطاولة صغيرة جانبية تحمل مزهرية وفي الزاوية المقابلة هناك خزانة الادراج .
الجدار في الجهة اليُمنى حمل الكثير من اطارات الصور التي لم تُملأ بعد اضافة الى رفوف بأرتفاعات واحجام مختلفة ...
- أهي حلوة جوجو ؟
سألت قبس جُلّنار ببراءة وهي تترقب رأيها لتقول لها بأبتسامة واسعة ؛
- إنّها رائعة ، بابا لديه ذوق رائع.
- ممتن إنّها اعجبتكم آنساتي.
- جوجو هل أريكِ رسوماتي ؟
- اوه انا متحمسة لرؤيتها
- سأحضرها !
تركض الصغيرة لغرفتها لتحضر كراس رسمها بينما يتجه ليث وجُلّنار نحو الاسفل تأتي الصغيرة بعد ثواني مع كراسها واقلام تلوينها لتجلس قرب جُلّنار تريهم لها تثني جُلّنار على الصغيرة بكلمات مشجعة وهي تتظاهر بالانبهار مع كل صفحة جديدة وتسأل قبس ان تشرح لها المقصود بالرسمة لتعقب في كل مرة انتِ رائعة صغيرتي ، انا فخورة بكِ !
تنشغل الصغيرة بعدها بكراسها وهي تلون احد الرسمات بينما يحضر لها ليث الكعك مع العصير ويجلس يرى الطاولات التي اعجبت جُلّنار على الانترنت ليختار معها واحدة للصالة ، تلتفت أليهم قبس بعد قليل وهي تقول ؛
- بابا انا جائعة !
- أتريدين المزيد من الكعك عزيزتي ؟
- لا ، أريدُ غداءاً
- ألم تتناولي الغداء في منزل جدتكِ ؟
- نعم ، لكن انا الان جائعة .
- ولا زال الوقت مبكراً على اعداد العشاء
حسناً ، هل اطلب لكِ طعاماً من الخارج ؟
- اجل !
- همبرغر ام بيتزا ؟
- بـ... برغر !
كانت جُلّنار تتابع المحادثة بصمت لتقول أخيراً - بعدم تصديق - وهي ترى ليث يمسك هاتفه ينوي طلب المطعم ؛
- أانتَ جاد ؟!
- حول ماذا ؟
- هل تطلب لها اكل من المطعم دائماً ؟
- هي دائماً ما تتناول غداءها عند والدتي وفطورها معي لكن العشاء احياناً اكون متعب فنطلب من الخارج ..
- انا لا اصدقك ! الطعام السريع مضر جداً لها في هكذا عمر ..
- هي تحبه ..
- بالطبع ستفعل فهي طفلة ولا تعلم كمية ضرره
يردف ليث بتعب ؛
- حسناً اعدكِ سأهتم بوجباتها اكثر مرري لي الأمر اليوم فقط فأنا بالفعل لا طاقة لي بتحضير الطعام .
لتعقب جُلّنار بهدوء وهي تسحب الهاتف من يده ؛
- ومن طلب منك إن تفعل ؟ انا سأحضره
ليقول بأندهاش ؛
- ماذا ؟! لا بالطبع !
تنظر له بحدة ؛
- ما بك ! هل طعام المطعم افضل من طعامي ؟
- لا لا ، انا فقط اعني لا أُريد ان اتعبكِ انتِ ايضاً كان يومكِ طويلاً.
- ما رأيك ان تصمت عزيزي. صغيرتي ..
تلتفت قبس نحو جُلّنار التي ترفعها وتجلسها في حجرها قائلة بمرح ؛
- ما رأيك ان نعد انا وانتِ الطعام معاً، بدلاً من طعام المطعم طعامكِ سيكون ألذ بالتأكيد !
- نعم نعم قبس تريد فعل هذا ! لكن بابا لن يقبل قال ان قبس لا يجب ان تقترب من الموقد وحدها.
تؤمى جُلّنار متفهمة بينما تلتفت لليث قائلة بأبتسامة مكتومة ؛
- ليث أتسمح لقبس ان تعد الطعام معي ؟
- حسناً شرط ان لا تقترب من النار .
يقول ليث مصطنع الجدية لتصفق الصغيرة بأنتصار وهي تركض للمطبخ قبل جُلّنار ليقول ليث بأنبهار :
- إذاً هكذا تكون علاقة الابنة والأُم !
- لا يجب مسايرة الاطفال دوماً ليث لأنّهم اطفال وبالطبع لا يجب اطعامهم من الخارج !
تنهي جملتها بحدة ليقول بأستسلام وابتسامة ؛
- حسناً حضرة المدام لقد فهمت ..
تصمت وهي تنظر نحوه بدهشة ليتابع بخبث ؛
- ماذا أنسيتي إنّكِ الان مدام ؟
- انا فقط استغربت سماعها فجأة .. حتى لحظات كنت تقول انستي .
- انتِ ذكرتني بالأمر بشخصية الأم التي اظهرتها .
تبتسم وهي تهم بالنهوض وراء قبس ليمسكها من ذراعها مجلساً اياها مرة اخرى وهو يقول بهدوء حينما التفتت إليه متسائلة:
- ألّا نية لديكِ بخلعه ؟
- ماذا ؟
تتسائل جُلّنار بأستغراب ليشير لرأسها بذقنه متابعاً ؛
- لا لشيء لكن الطقس حار بالفعل ولابّد إنّ ارتدائه كُل هذه الساعات خانق ..
تنتبه جُلّنار الان فقط لكونها لا زالت ترتدي حجابها دون ان تتعمد فعل هذا ويبدو ان هذا احزن ليث لظنه إنّها رُبمّا لا زالت تضع مسافة معه لتقول من فورها بهدوء بينما تمتد يديها لفك حجابها؛
- اوه آسفة إنّها عادة لكثرة ارتدائه.. لم انتبه إنّي لم اخلعه !
لا يُجيب ليث بشيء بتعبير اصح لا يستطيع الرد بأي حرف الان وهو تائه في خصلات شعرها بُنية اللون المتطايرة حول وجهها بينما جُلّنار تخلل أصابعها في شعرها تهذبه ممسكة بالمشبك بين اسنانها وتجمعه بعدها نحو الخلف بيديها وتثبته بالمشبك مع افلات بعض الخصلات على جانب وجهها .
تنظر إليه لترى في عينيه ما هو كافي لجعل وجهها يحمر و يغزوها التوتر، تنهض بسرعة للمطبخ دون قول شيء بينما يظل هو ينظر في اثرها مبتسماً.
تشبثت قبس بجُلّنار فور دخولها للمطبخ وهي تقول بحماس ؛
- جوجو ماذا سنطبخ ؟؟
- همممم دعينا نرى ماذا لدينا مواد اولاً ..
تركض الصغيرة نحو البراد تفتحه وهي تحصي لجُلّنار ما موجود فيه بينما تضحك الاخيرة على لطافة الصغيرة :
- خيار .. طماطم وهناك بيض ايضاً ... فلفل وهذا المدور وهناك كاتشب! وعصير وحليب و.....
تفتح جُلّنار مجمدة البراد لتجد فيها اللحوم ، تأخذ صحن حاوي على قطع الدجاج وهي تقول لقبس ؛
- حسناً سنحتاج الفلفل والكاتشب عزيزتي ...
- حااااضر !!
تهتف الصغيرة وهي تخرجهم من الثلاجة وتأخذهم منها جُلّنار وتضعهم على الطاولة ، يدلف ليث قائلاً ؛
- أتحتاجون مساعدة سيداتي ؟
- لااا .. هذا عمل فتيات بابا لا تتدخل !
تهتف قبس بثقة ليضحك الاخير ويسحب كرسي جالساً بينما تأيدها جُلّنار ؛
- بالفعل اصمت ولا تفسد تركيزنا ..
- حسناً .
- لحظة اين المعكرونة ؟
تتسائل جُلّنار بصوت مسموع ليقول ليث بثقة ؛
- في الدرج خلفكِ .. ألم اخبركم انكم تحتاجونني .
تقول جُلّنار بخبث وهي تضييق عينيها ؛
- اه اين الطحين و طحين الذرة ايضاً ؟
يتساءل ليث ببلاهة ..
- طحين ماذا ؟
تضحك الاخيرة بصخب مع قبس ليعلم إنّهما تتلاعبان به لعلم جُلّنار إن ليث لا يعرف ماهو طحين الذرة .
تبحث جُلّنار في المطبخ من حولها حتى تجد ما تحتاج اليه بينما تلبس قبس مئزر المطبخ حتى لا تتسخ ثيابها وسط فرح الصغيرة بهذه التجربة الاولى لها بالمطبخ واهتمام جُلّنار بها ومشاكسة والدها لها وهي تقف على احد كراسي المائدة لتساعد جُلّنار
يتسائل ليث وهو يرى جُلّنار تفرغ الطحين والنشأ في اناء وتضيف عليهم بيضة بينما تُشغِل قبس بسكب الكاتشب في كاسة زجاجية .
- ماذا ستعدون ؟
- دجاج مقرمش ومعكرونة مع الصلصة ..
- مزيج رائع !
تبتسم جُلّنار وهي تأخذ الاناء الحاوي على الكاتشب من امام الصغيرة وتخبرها ان تغمس قطع الدجاج بخليط الطحين لتطبق قبس بفرح
تعد جُلّنار المعكرونة ريثما تنتهي قبس ومن ثم تقطع الفلفل على المائدة جوارها وهي تشرح للصغيرة ان السكين خطر ولا يجب الاقتراب منه الان ، تلطخ انف قبس بقليل من الطحين لتضحك الصغيرة بمرح وهي تفعل الامر ذاته مع جُلّنار ويراقبهن ليث مستمتعاً ، بعد نصف ساعة كان الطعام قد نضج سكبت لهم جُلّنار المعكرونة مع الصلصة الحمراء والفلفل بأطباق وكذلك طبق كبير من الدجاج المقرمش والبطاطا مع صوص الثوم ورتب ليث وقبس المائدة .
تناول الثلاثة طعامهم وسط اجواء فرحة لتقول قبس بتلذذ ؛
- الاكل رائع !
- انتن رائعات انه لذيذ جداً
تبتسم قبس بفخر من مدح والدها ليقول الاخير لجُلّنار ؛
- سلمت يداكِ عزيزتي .
- بالهناء والشفاء ..
كانت قبس هي المصدر الاساسي لسعادة جلستهم وجمالها وهي تسرد لجُلّنار الكثير من الأحاديث .. تارة حول صديقاتها الصغيرات في الروضة وتارة حول نزهتها مع جدها والتي تعرفت فيها الى قطة الجد مهند - جار جديّ قبس- وأسمها " ميكو " ومرة حول فلم الرسوم المتحركة الذي رأته على التلفاز في الأمس حتى انتهت جُلّنار من غسيل الصحون وجلست معهم مرة أُخرى لتقول الصغيرة بعد برهة وهي تهبط عن كرسيها ؛
- انا سأشاهد التلفاز !
- حسناً .
- جوجو شاهدي معي ! شاهدي معي ..
- حسناً صغيرتي سآتي بعد قليل .
تتجه قبس نحو الصالة لتعاود جُلّنار النظر نحو ليث الذي ينظر لها منذ برهة مبتسماً ؛
- ماذا هناك ؟
- انتِ ..
- لم افهم ؟
- ألّا تتسائلين عن سبب تحديقي وانا اقول انّه انتِ نفسك ، حديثُكِ ، ابتسامتكِ ، تفاهمكِ الغريب - لعمقه- مع قبس .. بأختصار وجودكِ بحد ذاته في البيت خلق لنا الطمأنينة.
- انا ايضاً اشعر بأرتياح بالغ معكم ، لذا اعتقد إنّ الأمر متعلق بوجودنا نحن الثلاث معا وليس بسبب افعالي الخاصة ..
يستمران بالتحديق ببعضهما بحُبّ وابتسامة لبرهة ليقول ليث بعدها وهو ينهض من فوره :
- سأُعد لنا القهوة .
تقول جُلّنار وهي تتطلع الى ظهره أمامها وهو يشعل الموقد
- ألا تفضل شربها من يديّ ؟
- بالطبع ، فلا يوجد ألذ من قهوتكِ لكنك تعبتِ بأعداد الطعام بالفعل ولم تدعيني اغسل الصحون حتى.
- وما أدراك إن قهوتي لذيذة ؟ انت لم تشربها مسبقاً ..
- يكفي إنّها من بين يديكِ لتكون ألذ شيء !
- ماذا تظن أنّي سأفعل بعد هذا الكلام ..
يجيب بينما يخرج علبة البُن وكذلك فنجانين
- تتوترين لذا انا لا انظر إليكِ الان حتى لا يزداد توتركِ ..
- بل سأُصر على اعداد القهوة لك وهي متعة بالنسبة لي وليس تعباً.
تأخذ علبة البُن من يده بالفعل وتبدأ بأعداد القهوة بينما يستند هو الى حافة المغسلة يراقبها بأبتسامة و تحدثه هي عن اخبار الفتيات ريثما تصبح القهوة بالقوام المطلوب دون النظر إليه لأنها ببساطة تدرك إنّه الان يركز بكُل انش فيها بدءاً من خصلات شعرها النافرة عن البقية وصولاً لحركة يديها الممسكة بالدلة وهي تمزج القهوة .
أنت تقرأ
غـِـمَار
Diversosيقطع عثمان الصمت الذي طال بينهما وهو يسألها - هل كان جرحـهُ أكبر من عفوكِ ؟ تبتسم بمرارة مُردفة : " لم يكن جرحاً ، بل كان اليد التي ضمدت ذاكرتي المعطوبة وكنتُ الخنجر الذي تراجع عن طعنه لكن بعد إن عكستهُ المرآة " . . . لم يبدؤوا يوماً لنسأل كيف انت...