الواحدة وخمس عشرة دقيقة بعد منتصف الليل ،
كانوا يشاهدون التلفاز معاً .. مندمجين مع الفلم
تجلس جُلّنار بصورة مائلة وهي تستند الى ظهر الاريكة بينما تضع صحن فواكه في حجرها وليث يجلس بالقرب منها .. كانت قد قطعت تفاحة وبدأت تقضم احد ارباعها بينما لا زالت تمسك السكين بيدها اليُمنى ، رن هاتف ليث الموضوع على الطاولة قربهم ، فنظرت جُلّنار نحوه -كرد فعل تلقائي- ولمحت اسم المتصل بالطبع ثم التقطه ليث يرى هوية المتصل التفتت جُلّنار مرة أخرى نحو التلفاز متابعة مضغ قطعة التفاح لتتوقف عن ذلك وعيناها تقع على الساعة الجدارية فوق التلفاز " الوقت متأخر جداً لتتصل موكلة في هذه الساعة !" فكرت بينما تعاود قضم التفاح وهي تصغي لحوار ليث على الهاتف دون أبداء هذا وهي تتعمد النظر للتلفاز وكأنّها تركز مع الفلم حقاً ، لم تطل المكالمة لأكثر من دقيقتين اغلق بعدها ليث الهاتف وعاود الجلوس على الاريكة جوار جُلّنار التي تستند عليها بظهرها نسبياً ، قالت بهدوء ولا زالت تنظر للتلفاز ؛
- احد موكليك ؟
- نعم
- هل هي قضية يوم غد ؟
- لا ، قضيتها لا زالت جديدة .. تسلمتها منذُ اسبوع
تبتلع طعامها عنوة وتحتد نظرتها وهي تتابع بذات الهدوء دون النظر إليه ؛
- هل كان هناك أمر مهم إذاً ؟
- ليس حقاً ، قالت إنّها تذكرت تفصيل ما متعلق بالقضية وودت اطلاعي عليه .
- في هذه الساعة !
قالت وهي تلتفت له ملوحة بالسكين بعفوية ليتراجع ليث بوجهه وهو يفهم الان إنّها منزعجة وليست تتسائل فقط ليقول بتردد بينما ينظر للسكين التي لا زالت تشغل يدها وان كانت ابعدتها عنه
- حسناً ظنت إنّه قد يكون مهماً في مجرى القضية ؟؟ ولم تشىء الانتظار حتى الصباح خشية ان تنسى .. هذا ما قالته معتذرة
- لمّا كم يبلغ عمرها ؟
- اظن واحد او رُبمّا اثنان وثلاثون ..
ترفع له احدى حاجبيها وهي تقول ؛
- إذاً استحالة ان تعاني من الزهايمر في هذا السن اضافة الى ذلك لو كان امراً مهماً بالفعل في قضيتها لما تذكرته الان !
- هل انتِ غاضبة ؟
- برأيكَ ؟
اجابت بحدة وهي تلوح بالسكين مرة اخرى دون ان تنتبه ليقول بخوف مصطنع وهو يتراجع برأسه للوراء ؛
- حسناً هذا واضح لكن هلا تركتِ السكين من يدكِ أولاً لنتفاهم ..
تطيل النظر إليه بحنق وتضع بعدها السكين من يدها وصحن الفواكه برمته على الطاولة بينما يقول هو بأبتسامة:
- انا اسف اعلم لم يكن يفترض بي الرد وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل ..
- إنّه عملك ، ورُبمّا كان هناك امر مستعجل .. هي فقط المخطئة ويجب ان يكون لديها حس منطق يخبرها إنّه لا يجوز الاتصال بوقت كهذا ولأجل اعذار واهية !
- معكِ حق
- بالطبع معي حق !
يبتسم وهو يرى الاستياء لا زال بادياً في نبرتها ويعقب بهدوء ؛
- كان يمكنكِ اخباري إنّ لا اجيب المكالمة لو كنتِ منزعجة منها ..
- لو انتبهت للوقت كنت سأفعل .
يضحك مردفاً ؛
- واو .. جامليني على الاقل وقولي انا اثقُ بك عزيزي وليس " سأفعل "
- كف عن هذا اعلم إنّك تدرك ما اعني ، لم تكن ستُجيب لتعلم إنّه لا يحق لها الاتصال بأيّ وقت وانت محاميها فقط لا من بقية اسرتها لتتصرف بكُل هذه الحرية !
- حسناً انا أُعتبر مقرباً اكثر من افراد الاسرة أحياناً فالمحامي يجب ان يعلم اسرار موكله وادق تفاصيله قبل اي احد اخـ___
يُجيب ليث بمنطقية ليست في محلها ليتوقف بعد ثوانٍ عن الحديث وهو يرى جُلّنار تنظر نحوه بوجه خالي من التعابير ؛
- لحظة دعيني اشرح لكِ ! ليس قصدي هكذا !
تنهض وهي تحمل صحن الفواكه متجهة به للمطبخ بينما تقول بنبرة عادية ؛
- انسى
تبتعد عنه و ينادي خلفها قائلاً :
- لحظة فقط اسمعي تفسيري !!
تلتفت إليه قبل ان تدلف للمطبخ وهي تقول ببرود تكتم خلفه ابتسامتها ؛
- لستُ مهتمة ، انا قلتُ ما لدي لذا اغلق الموضوع ولا تتفوه بالمزيد من الحماقات .
يتنفس الصعداء وهو يحمّد الله ، إنّها تعرف حماقته التي تطفو للسطح احياناً وتظهر بعفوية معها لذا تتجاهلها في اغلب المرات ولا تقف له عندها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~
أنت تقرأ
غـِـمَار
عشوائييقطع عثمان الصمت الذي طال بينهما وهو يسألها - هل كان جرحـهُ أكبر من عفوكِ ؟ تبتسم بمرارة مُردفة : " لم يكن جرحاً ، بل كان اليد التي ضمدت ذاكرتي المعطوبة وكنتُ الخنجر الذي تراجع عن طعنه لكن بعد إن عكستهُ المرآة " . . . لم يبدؤوا يوماً لنسأل كيف انت...