العاشر من شباط ، 2023
الساعة العاشرة صباحاً..غادرت جُلّنار وحدة العناية المركزة بعد إن تم أخبارها ان السيدة فاطمة نُقلت لغرفـة خاصـة في الصباح الباكر بأمر من الطبيب عثمان وقد استقرت حالـة الاخيرة تماماً ولم يعد هناك تهديد بأي مضاعفات قلبيـة ، دلفـت للمصعد مبتسمـة من هذا الخبر نعم عملية السيدة فاطمة كانت ناجحة لكن بحكم قلبها المتعب منذُ فترة طويلة لم يحتمل جسدها كثيراً بعدها وعانت من صعوبة بالتنفس بعد اضمحلال مفعول مواد التخدير ولذلك احتاجت ليلتين في العنايـة المركزة ، لم تغادر جُلّنار في الليلة الأولى وبقيت عندها مع ليث حتى تيقنت من استقرار مؤشراتها الحيوية كاملة ، وبالأمس استمرت بالاطمئنان عليها على الهاتف مع ليث وحمداً لله قد تحسنت حالة والدة ليث مع فجر اليوم ولم تعد بحاجة دعم جهاز التنفس .. رن جرس المصعد معلناً الوصول وقد فُتحَت ابوابه.
كانت جُلّنار تتحدث الى مسؤول الردهـة تسأله عن رقم غرفة السيدة فاطمة وبنفس الوقت تطمئن على مريض اخر لديها هنا وفيما لو انهى جدوله الدوائي حينما لمحت طفلـة صغيرة بضفائر بُنـية اللون تتخذ خطواتها بحذر و تتطلع في الأرجاء بينما تحتضن دميتها بين ذراعيها ، بدتْ ملاكاً يرتدي تنورة صوفيـة قصيرة مع سترة ورديـة .. ابتسمتْ جُلّنار واقتربت من الصغيرة التي لم تبتعد لكن شددت من معانقـة لعبتها وهي تحدق بالآنسـة امامها والتي نزلت لمستواها قائلـة ؛
- عمّن تبحثين يا صغيرة ؟
- جدي
أردفتْ الطفلة بتردد.
- و هل تعرفين رقم غرفتـه ؟
- لا ، لكن جدتي هنا هي فقط نائمة
سألت جُلّنار بتوجس وقد تنبهت للأمر أخيراً ؛
- ما اسمكِ عزيزتي ؟
- قبس ! وبابا يدعى ليث.
هتفت قبس بأبتسامة بريئة كما علمتها جدتها ان تجيب حينما تُسأل عن اسمها.
استغرق الأمر من جُلّنار عدة لحظات أطالت فيهم التحديق بوجه الصغيرة -بعيـنين متسعة- قبل ان تضم قبس إليها بأشتياق ووجع كما لو كانت تعرفها منذُ مدة طويلة لكن الصغيرة ويا للعجب لم ينتـبها ايّ خوف بل سكنت دون حركة بين ذراعي جُلّنار التي قالت بأبتسامة وهي تبتعد عنها ؛
- ما رأيكِ ان تصطحبكِ هذه الخالة لعند جدتكِ عزيزتي ؟
- لكن بابا لا يرضى ان ارافق من لا اعرف.
ضحكت جُلّنار بحق قبل ان تربت على رأسها بحنان قائلة ؛
- معه حق لكن نحن لن نبتعد انا فقط سأرافقكِ حتى غرفة الجدة ، فماذا قلتي ؟
تؤمى الصغيرة بالايجاب وتسير رفقة جُلّنار التي أمسكت يدها ، وصلن غرفة السيدة فاطمة وركضت الصغيرة نحو جدتها ما ان رأتها جالسة في سريرها هاتفـة ؛
- جدتــييي استيقظتي !
- عزيزتي ألستِ برفقـة جدك ؟ واين والدكِ
- لا اعرف ، جدي ذهب
- اين ذهب وترككِ ؟!
أجابت جُلّنار التي سمعت من الصغيرة سبب مغادرتها حجرة جدتها :
- يبدو إنّها لم تتمكن من اللحاق به قبل ركوبه المصعد ولم تحفظ رقم الحجرة لتعود ، و عندما رأيتها تتساءل في الردهة رافقتها
- حبيبتي ليباركِ بكِ الربّ ماذا لو نزلت السلم لوحدها واعتذر لعدم انتباهي لكِ
عقبت جُلّنار بأبتسامة بينما تغمز الصغيرة ؛
- العفو يا خالـة لم افعل شيء لكن قبس ذكية واجادت التصرف فقد اخبرتني اسمها بصورة صحيحة برأيي تستحق قبلة منكِ .
تبتسم السيدة فاطمة وهي تفتح ذراعيها لحفيدتها التي سبق وجلست قربها على السرير وتهبها عناقاً قبل ان تتأوه قليلاً من مكان الجرح بصدرها .
- لا زال الوقت مبكراً على العناق خالتي ، دعيني افحص جرحكِ.
قالت جُلّنار بتأنيب خفيف وطلبت السيدة فاطمة من قبس ان تجلس على الاريكة بالقرب حتى ينتهوا فسألت الصغيرة بعد دقائق ما ان رأت جدتها تعيد ضبط ثيابها وجُلّنار تخلع قفازاتها البلاستيكية وترميها .
أنت تقرأ
غـِـمَار
Diversosيقطع عثمان الصمت الذي طال بينهما وهو يسألها - هل كان جرحـهُ أكبر من عفوكِ ؟ تبتسم بمرارة مُردفة : " لم يكن جرحاً ، بل كان اليد التي ضمدت ذاكرتي المعطوبة وكنتُ الخنجر الذي تراجع عن طعنه لكن بعد إن عكستهُ المرآة " . . . لم يبدؤوا يوماً لنسأل كيف انت...