٢ : رثاءٌ بالدّمع

1.9K 126 64
                                    

ثمّ شعر العم بجسد الشّاب يتراخى بين يديه، ليعلم أنّه فقد وعيه.

فتحتُ عينيّ لألقى سقف غرفتي، متى نمت؟ لا أتذكّر. جلستُ، ووقع نظري على قميص الثانويّة، صحيح، كان لديّ اختبارٌ و... فجأةً تذكّرت كلَّ شيء! نهضتُ من السّرير وقبل أن أبلغ الباب فتحه عمّي، وعمّتي واقفةٌ خلفه. هذا يؤكّد الأمر، لقد رحل والداي.

«عمّي أرجوك، أرجوك أخبرني أنّك تمزح، قُل إنّي أحلم، أمّي وأبي بخير وسيعودان بعد قليلٍ ويبتسمان لي ويضمّانني... آه! عمّتي أرجوكِ...» تكلّمتُ بقلّة حيلةٍ بينما أقبض على قميصه الأسود، وهويتُ إلى الأرض بضعف.
-ليتك محقٌّ بنيّ، ولكنّ الواقعة وقعَت، ونحنُ نؤمن بعدل الله وحكمته، والصّبر سبيلُنا. (مسحَ على رأسي) لو يعود أخي الآن ويدخل من هذا الباب فاتحاً ذراعيه لي... لو تعود زوجة أخي لتستقبلَنا برحابةٍ وكرمٍ في نفس هذا البيت... أودّ لو أدفع من عمري ليعودا لو كان ممكناً، ولكن هذا مصيرُنا جميعاً ولو تعدّدت الأسباب، كلُّ نفسٍ ذائقة الموت يا حبيبي.

كنتُ أبكي بشدّة، فمشاعري المكدّسة منذ الليلة السّابقة لم أفرّغها بعد، ولا أريد التوقّف الآن، بكيتُ وصرختُ، في حضن عمّي، وكانت عمّتي تمسح على رأسي وظهري، وكلاهما يبكيان. فقدُنا عظيم.

لا أعلم كم مرّ من الوقت قبل أن يسألني عمّي: «مستعدٌّ للذّهاب؟» لم أجِبْ، كلّ الاحتمالات مؤلمة «تعلم، يجب أن نذهب إلى المستشفى، وهناك... تودّعهما، ثمّ نتّجه إلى منزلنا، يحظى جدّك وجدّتك بنظرةٍ أخيرة، ونتلو القرآن والدّعاء بمحضر الجثمانَين، وبعدها إلى المثوى الأخير. ولستَ مُلزماً بالباقي، يمكنك البقاء إلى جوار هادي إن كان سيريحك ذلك».

كنتُ أستمع فحسب، أعلمُ أنّ هذه الرحلة في بدايتها، تنتظرني محطّاتٌ أشدّ إيلاماً من تلقّي الخبر، ومواجهةُ جدّيّ إحداها، والدّفن، والذّكريات... أكمل عمّي سامر كلامه: «خالك وأختي هديل في المستشفى الآن مع بعض المعارف والأقارب، لا يجب أن نتأخّر أكثر حتّى لا نؤجّل الدّفن إلى الغد».

نظرتُ إلى السّاعة المعلّقة مقابل سريري، لقد تجاوزَت الواحدةَ بقليل. هززتُ رأسي موافقاً ونهضتُ عن الأرض، أضاف عمّي: «هادي قد يحتاج عشرةَ أيّامٍ من العلاج. رئتاه ملتهبتان لذلك حصلت النّوبة، وعلاجُهما، إضافةً إلى التخلّص من آثار النّوبة، يتطلّب هذا الوقت. من لطفِ الله أنّ الضّرر النّاجم عن الحادث كان قليلاً نسبةً إلى خطورته: رضوضٌ وجروحٌ طفيفة، وكسرٌ في الذّراع تطلّب جبيرةً عاديّة».

سكتَ وكأنّه ينتظر أن أقول شيئاً. لا أشعر برغبةٍ في الكلام، خاصّةً حول هادي. قبل ساعاتٍ كان هو كلَّ همّي، أمّا الآن فمعرفة أخباره لم تسرّني ولا خفّفت من حجم الفراغ الّذي ينهش صدري.

عبارةٌ واحدةٌ شدّت انتباهي أكثر من غيرها «رئتاه مُلتهبتان». هل خالط مريضاً ولم يرتدِ الكمّامة، أو تنشّق مادّةً ما؟ ربّما لعبَ مع مهدي مساء ذلك اليوم رغم برودة الهواء ولم أكن أعلم، أو شرب عصيراً بارداً من وراء ظهرنا... ما الّذي فعلتَه يا هادي حتّى تمرض هكذا رغم كلّ الاحتياطات؟

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن