٢٠ : بَوحٌ وبلسَم

991 90 98
                                    

بعد ساعةٍ من تناول الطّعام ساعدتُ هاديًا على أخذ حمّامٍ مُنعش، شكرَني بعد الانتهاء وتوجّه إلى سرير والديّ ليغفو بعد دقائق قليلة. صلّيتُ ثمّ مسحتُ الأرضيّة والغبارَ في الطّابقين واستحمّيتُ للمرّة الثّانية قبل أن أتوجّه إلى جانبه مع كتاب التّربية لأُكمل من حيث توقّفتُ يوم أمس.

ملأ العنوانُ عينيّ بالدّموع «الجميعُ يرجون السّعادة». استغرقتُ في الأسطر التّالية في تعريف مفهوم السّعادة الحقيقيّة، شعرتُ بالاستئناسِ وفقدتُ إحساسي بالوقت، ولم يُرجعني إلّا هذيان هادي. أغلقتُ الكتاب لأشغّل جهاز الأوكسجين فربّما يُريحه، وجلستُ أنصتُ إلى حروفه المتقطّعة "قا...رِب... هذا..." هل حاولَ التكلّم مع التّوأمين، بل هل حاولا محاورته؟! "أنا لا... أستَـ... الْـ... كَلامْ..." أخذتُ أمسح على رأسه، لا أريد إيقاظه، ولكنْ ربّما أخفّف من اضطرابه هكذا، أم هل يجب أن أوقظه؟

هدأ فعُدتُ إلى كتابي وغرقتُ مجدّداً بين دفّتَيه، ولكن لم يدُم الهدوء طويلاً فقد تسارعَت أنفاسُه بعد مدّةٍ فأخفضتُ نفسي وطبعتُ خدّي على جبينه، هل سيشعر بقُربي؟ هل سيهدأ قلبُه؟ "لا تَدْفع... صَدْ...ري... يُؤْ..." ما هذا، هل تدافَعَ مع أحدِهما؟! "لَسْـ...ـتُ... مُخيفـ..." شعرتُ باستعار الغضب في صدري، من قال هذا؟!

تنفّستُ بعمقٍ وببطء، أيّاً كان من تكلّم فهو من العائلة، ربّما يكون سوء فهم، ربّما ليس أخي المقصود، ربّما هذا كابوسٌ وليس انعكاساً لما حصل قبل ساعات... رسمتُ الدّوائر على خدّه علّه يسكنُ فعاد بنانُ إبهامي رطباً، إلى أيّ حدٍّ آذاك الموقف حتّى يُبكيكَ في نومك يا أخي؟ هذا يكفي، لقد بكيتَ كثيراً في الأسابيع الماضية، متى ستنسى عيناك حرارة هذه الدّموع؟

حافظتُ على قُربي منه وردّدتُ نشيداً تذكّرتُه للتّوّ مع مشهدِ أمّي وهي توقظه حينما يكون مُتعباً، تُرصّعُ وجهه وعنقه بالقُبل فيصحو سعيداً مشحوناً بالحبّ رغم كلِّ شيءٍ، ثمّ يحظى بحصّته من أحضانها.

توقّفتُ بعد انتظام أنفاسه وراقبتهُ يفتح عينيه. أمهلتُه ليستوعب محيطه ثمّ بادرتُ بهدوء: "حبيبي..." مال برأسه حتّى اصطدم برقبتي، ما زال رأسي متّكئاً على رأسه "سوف أسألك، وأنت أجب بأيّ طريقةٍ ما عدا الكلام، حسناً؟" ضيّقَ عينَيه باستغراب "امم".
-السّؤال الأوّل: هل حاول التّوأمان الحديث معك؟ (شهقَ بحدّةٍ فأكملتُ) لقد غيّرتُ رأيي، أريد معرفة القصّة اليوم والآن، ولهذا السّبب أسألك... السّؤال الثّاني: هل اختلفتَ معهما؟
-ل...ل... لا
-(مسحتُ على مؤخّر رأسه) اتّفقنا ألّا تتكلّم، كي لا تتألّم. طيّب، هل حصل سوء فهمٍ ما؟
-امم
-ستنزعج لو كتبتَ لي التّفاصيل؟ (رفع حاجبَيه نافياً) إذن سأُحضر دفتراً وقلماً وأعود.

لم أتأخّر، وجدتُهُ متربّعاً فناولته الدّفتر مفتوحاً وتربّعتُ إلى جانبه. كتب ببطءٍ شديد: ظنّ فؤاد أنّي غاضبٌ منهما لعدم زيارتي، ولهذا لا أتكلّم معهما.

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن