٧ : حلمٌ جميل

1.2K 112 176
                                    

-هكذا إذاً، الحمدُ لله على سلامته. لا عليك، نحن فخورون بك، لقد أنقَذته... هذا يكفي يا بنيّ، ألم تنضب دموعُكَ بعد؟ استرِح الآن، سوف نعتني بكما جيّداً، تصبح على خيرٍ حبيبي.

غفا جواد سريعاً ولكنّ استيقاظه في وقتٍ قريبٍ كان مسلّماً به، فعقلُه مبرمجٌ على محاربة النّوم متى سمع صوت أخيه، لقد اعتاد على ذلك حتّى بات يفشل في تجاهله ولو أراد، ولو كان مرهقاً. فأنينُ هادي أو بكاؤه أو سعاله ليلاً، يعني أنّ العائلة ستجتمع في غرفته وستدور هناك أحاديث طريفةٌ رغم الألم، ويعني أنّ جواد سيغرق في سيل المشاعر الدّافئة الّتي يضخّمها سكون اللّيل، وهذا يكفي ليشحذه بالحبّ والامتنان لعدّة أسابيع.

أتراه استيقظ لهذا السّبب؟ ألأنّه قد نسي أنّ والدَيه رحلا ولن يرعيا أخاه مجدّداً، أم لأنّه تمنّى فقط لو أنّ ما مرَّ كان كابوساً وقد انتهى للتّوّ؟

نهض جواد رغم شعوره بالوهن الشّديد، مشى إلى الغرفة المجاورة يستند على الحائط، ثمّ توقّف عند الباب يتأمّل مساعي خاله وعمّته وهما يحاولان التّخفيف عن أخيه الّذي يسعل بحدّةٍ ويبكي. شعرَ أنّ بكاء هادي مختلف، فهو في العادة يكابر على ألمه، يكتم أنّاته، وينتظر في حضن والديه أن تمرّ النّوبة وتختفي العوارض تدريجيّاً. بكاؤه الآن مختلف، إنّه افتقادُه لوجودهما في هذا الظّرف، لوعتُه، يُتمه... هذا سبب بكائه.

تقدّم الأكبر من ثلاثتهم فانتبه له خاله "عزيزي لماذا نهضتَ من سريرك؟".
-سمعتُ صوتَه، جئت لأساعدكما.
-آسفان، نحن نحاول ولكنْ...
-إنّه معتادٌ على أسلوب والديّ، لذا لن يُفلح أيّ شيءٍ آخر.

أسند جواد ظهره ومدّ قدميه على السّرير يضع واحدةً فوق الأُخرى، ثمّ أجلس هادي بحيثُ جعل صدرَه على صدرِه، ورأس الصّغير يستريح قريباً من قلبه، وراح يمسح على ظهره من أعلى إلى أسفل، ويهمس له بأنّه سيكون بخير. تفاجأ الزّوجان من سرعة تغيّر مزاج هادي، فقد سكن دفعةً واحدة في حِجر أخيه، عندها قرّب جواد البخّاخ وطلب من هادي أن يستعدّ لاستنشاق دوائه، فطاوعه، وخلال دقائق قليلة كان تنفّسه مستقرّاً وقد خفّت وتيرة سعاله.

"أنا خجلٌ منكما، لقد أتعبناكما كثيراً، لماذا لا تأخذان قسطاً من الرّاحة؟" سألَ جواد خالَه وعمّته.
-سنفعل، عندما نطمئنّ عليه.
-سأبقى إلى جانبه، أرجوكما...

رفع هادي كفّه نحو وجنة أخيه فجذب انتباههم جميعاً، ابتسمَ له جواد وسألَه: "هل تشعر بتحسّن؟"
-أخي، أين أمّي وأبي؟ لماذا لم يأتيا؟

شعر ثلاثتُهم كما لو أنّ ماءً مثلَّجاً قد صُبَّ فوق رؤوسهم. الجوّ ربيعيّ، برودة اللّيالي مقبولة، لماذا إذاً يسري الصّقيع في جسد جواد هكذا؟

بقي الشّقيقان يتبادلان النّظرات، أعينهما اللّامعة من دمعٍ سجينٍ مثبّتةٌ على بعضها. واضحٌ أنّ الصّغير غيرُ واعٍ تماماً، ربّما بسبب ما تعرّض له، أمّا الكبير فقد باغتَه سؤال أخيه ورشَّ ملحاً على جرحه. غلَبَت مشاعره عليه "هل أنتَ جادّ؟".
-ربّما لم يسمعا صوتي، هلّا نادَيتهما؟
-هل فقدتَ عقلَك؟! صدمتَ رأسكَ بالحوض أليس كذلك؟!

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن