ب: الخبرُ الأجمَل

868 53 69
                                    

5/5/2024
_

يشق صراخُنا الآفاق من وجعٍ
فأين ترى مسامعُكم
ألسنا إخوة في الدين قد كنّا، وما زلنا
فهل هُنتم، وهل هُنّا؟
أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضكم: دعنا؟
أيعجبكم إذا ضعنا؟
أيسعدكم إذا جعنا؟
أخي في الله أخبرني متى تغضب؟
عدوّي أو عدوّك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعبًا
وأنت تراقب الملعبْ
إذا لله، للحرُمات، للإسلامِ لم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ؟

_

كان بيتُنا هادئًا، كأيٍّ بيتٍ لا أطفال فيه - سواي- ووالداي خرجا معًا لأمرٍ ضروريٍّ لا أعلمه. جلستُ مقابل الباب وفتحت كتابًا لأطالعه، لم أبلغ السّطر الثّاني حتّى، كان الملل يلتهم قلبي ووحشة البيت تتغذّى على هدوئي، بات ذلك مألوفًا منذ مدّة، أختنق.

افترشتُ الأرض وتأمّلت السّقف بنقمةٍ وكأنّ له يدًا في حالتي هذه. منذ أسابيع قليلة بشّرَت عمّتي هديلٌ العائلة بحملها بتوأم، وبشّرَتني لميس بأنّها - أخيرًا - ستغدو أختًا كبيرة. ونحن حينما نقضي الوقت معًا نتظاهر دائمًا بأنّنا إخوةٌ كبار لإخوةٍ صغار، ونتحسّر، ونبكي. كان يعزّينا أنّنا في هذه "المصيبة" معًا، ولكن مُذ سمعتُ الخبر أدركتُ أنّي صرتُ وحيدًا - أكثر من أيّ وقتٍ مضى - وأنّ اللّعبة التّالية ستكون مسرحًا لتدرّب لميس على الأخوّة، أمّا أنا فسوف أستمرّ بالتّظاهر والتخيّل والبكاء. ومنذ ذلك اليوم رفضتُ أن نلعبها مجدّدًا، وبات تجاهل وحدتي محالًا.

ولكن ما العمل؟ والداي متلهّفان أكثر منّي، يتوقان لرضيعٍ صغيرٍ يناغيانه ويدلّلانه، ورغبتي في ذلك تزيدهما توقًا، ولكنّ الحمل لا يستمرّ، مرّةً بعد أُخرى، وأمّي تتألّم في كلّ مرّة. وجهها ودموعها وحزن أبي وألمه لا تغيب عن بالي، بل وتمثل أمامي كلّما نويتُ أن أطلبَ وألمّح وألحّ، لذا بتُّ أخفي رغبتي عنهما، أستغلُّ غيابهما عن البيت لأبكي، وأسأل الله فقط، أليس من يهبنا أولئك الصّغار؟

ونتيجة خيبتي كلّما أنبآني بفقدان الجنين وبكائي المرير على أخي أو أختي، توقّفا عن إنبائي بأيّ حملٍ جديد، أمّا نبأ فقدانه فلا يمكن إخفاؤه؛ ملامحهما الذّابلة كانت تحكي كلّ شيء، وكنت أتظاهر بأنّي لا أعلم، وكنت أمرض في كلّ مرّةٍ فكانا يلملمان نفسَيهما ليعتنيا بي، وربّما عرفا سبب مرضي وتظاهرا بالجهل.

ولا أحصي الآن تكرّر هذا السّيناريو، ولكنّي لم أستسهله ولو مرّة، ومُذ علمتُ بحمل عمّتي - بصيرورة لميس أختًا - أعيش مشاعر الفقدان كلّها، وأتحيّن فرصة خروج والديّ لأبكي كي لا أنفجر، آملًا فقط ألّا يلاحظا تورّم عينيّ.

_

"جواد؟!" وجدتُ أمّي فوق رأسي فشهقت، لم أنهض بعد ولم أغسل وجهي ولم أمسح أثر الدّموع عن البساط ولم... "هل كنت تبكي؟! حبيبي ما الخطب؟" شدّتني نحوها فجلست، مسحَت وجهي "ماذا حصل؟ لماذا تستلقي على الأرض أصلًا؟" تلمّسَت جبيني "هل مرضتَ مجدّدًا؟!".

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن