١٤ : أخلاقٌ سامّة

1K 97 163
                                    

قضينا أوّل يوم أحد في البيت بمفردنا، ساعدني هادي في كلّ شيء: تحضير الإفطار وغسل الأطباق وتنظيف البيت. لم نترك زاويةً لم نمسحها، كما غسلتُ الثّياب المتّسخة والأغطية، ورتّب هو غرفته بمفرده. أنهينا ظُهراً فتناولنا طعامنا وصعدنا إلى غرفتي، استلقى على سريري وجلستُ لأدرس قليلاً، وغفا بعد وقتٍ قليل.

كانت تقارب الخامسة عندما سمعتُ تقلّبه، التفتُّ فوجدته يسير نحوي بينما يفرك عينيه، فتحت ذراعيّ له فتركني أحمله ثمّ تكوّر في حضني "هل تشعر بالمزيد من النّعاس؟!" سألته بينما أمسح خدّه برفق.
-كلّا، فقط اشتقتُ إليك.

أهديتُه ابتسامةً ثمّ لثمتهُ على جبينه وأكملتُ درسي وهو بين يدي إلى أن قرّر النّزول ومشى نحو النّافذة. وقف طويلاً هناك يراقب وفجأةً صرخ: "أخي، لقد خرج مهدي أخيراً!".
-(تركتُ ما بين يديّ ووقفتُ حيث وقف بعد أن حملته) هل نخرج لنسلّم عليه؟
-أجل!
-بدّل ملابسك هيّا.

انتظرتُه في الأسفل، نزل راكضاً وتجاوزني نحو الباب، ثمّ ركض نحو باحة الجيران حيث يلعب مهدي بآليّات البناء الصّغيرة خاصّته. لحقته ولكنّي لم أجتز الطّريق، خجلاً من تصرّفي يوم أمس، هل يجب أن أعتذر؟

وصل هادي وجثى قرب مهدي وحيّاه، نهض سريعاً ورمَقني بنظرةِ السّاخط فتراجعتُ عن نيّة التّلويح له، أعاد نظره إلى هادي وتبادلا أطراف الحديث بهدوءٍ فلم أسمعهما، بدا مهدي حزيناً، أمّا هادي فلم يظهر لي وجهُه، كنتُ أنتظر خلاصة حوارهما وقد أتت سريعة: ترك مهدي ألعابه في مكانها ودخل إلى بيته، ربّما ليُحضر شيئاً ما؟ ولكنّ أخي مشى نحوي والعبوس يحتلّ وجهَه، فعرفتُ أنّ صديقه لا ينوي اللّعب معه، ليس اليوم.

مددتُ يدي ليُمسكها ولكنّه أكمل سيره يتّجه صوب الباب "ماذا بك؟" لم يُجب. "هادي، إلى أين؟!" سألتُه مُستنكراً.
-(أجاب من غير التفات) إلى غرفتي.
-ألا تريد مرافقتي إلى الحديقة العامّة؟ انظُر، أحضرتُ الكرة.
-(توقّف والتفت رافعاً حاجبَيه) هل سنذهب فعلاً؟
-نعم، هذه نيّتي منذ الصّباح.

انبسطَت عضلاتُ وجهه وركض نحوي معانقاً "شكراً أخي!" ثمّ وضع كفّه بكفّي ومشينا بحماسٍ نحو الحديقة. سأسأله عمّا دار بينه وبين مهدي لاحقاً.

_____

ملأَت ضحكةُ أخي أرجاء الحديقة. تسابقنا، سدّدنا الكرة على أهدافٍ عشوائيّة، تشقلب على ألعاب النّفخ وأخذ أدواراً عدّة على الزّحلوقة والمرجوحة. لعبنا حدّ الإنهاك وانتهى بنا الأمر مُستلقيَين على العشب نلتقط أنفاسنا. اقترَب هادي بعد وقتٍ وألقى رأسَه على صدري "جواد..." مرّرتُ أصابعي بين خصلات شعره المموّج ورحت ألعب به "نعم حبيبي".
-هل... صرختَ في وجه... خالتي وداد حقّاً؟
-(هكذا إذن) نعم، للأسف.
-مهدي غاضبٌ منك، وأمّه نبَّهَت عليه ألّا يكلّمني إلى أن تأذن له.
-آسفٌ يا هادي، لم أقصد أن أزيدَ الأمر سوءاً.
-(أدار وجهه نحوي وراح يمسح بكفّه على خدّي) ليس خطَأك، أنا جعلتُك تغضب... وأنتَ فعلتَ هذا من أجلي.
-لستُ نادماً على ما فعلته سوى أنّي رفعتُ صوتي... ما رأيك صغيري، هل أعتذر؟
-أجل! ليس من أجلي، بل من أجل والديّ، سيفرحان!
-(بعثرتُ شعره) هيّا نعود.
-هل نستطيع أخذ سيّارة؟ أشعر بالكسل...
-لا مشكلة.

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن