٢٤ : غيمٌ أسوَد

1K 86 152
                                    

قراءة ممتعة

✿✿✿

نحن عباده، لا أبواب مغلقة في ظلّ رحمته، لا مُستحيلات، لا يأس، لا ظلمة تدوم. الحمدُ لله دائماً وأبداً فهو قد حباني بأكثر ممّا أستحقّ.

بين حنايا السّرير صباحاً تذكّرتُ نتيجتي فابتسمت، فتحتُ عينيّ قاصداً تأمّل السّقف بينما أتمدّد لوقتٍ إضافيّ، ولكنّه احتجب خلف رأس هادي الّذي ينظر إليّ بدهشةٍ من الأعلى مباشرةً. قفزتُ من مكاني متفاجئاً وتراجع هو عدّة خطواتٍ بعيداً عن سريري، وبعد ثوانٍ ضحكنا بالتّزامن.

"هادي،" نهضت ومشيتُ إلى الحمّام "أتعلم كم افتقدتُ ضحكتك في الأيّام الماضية؟" راقبتُه بينما أُنجز روتيني الصّباحيّ، بدا مرتبكاً. رحتُ أجفّف وجهي وأكملت "لماذا طال حزنكَ هذه المرّة؟" تقدّمتُ نحوه، جثوتُ أمامه ودثّرتُ خدّيه بيديّ "لماذا حرمتَني من صوتكَ حبيبي؟" بان عتبي في نبرة صوتي، ألمي كان حقيقيّاً. جذبتُه إلى حضني "أخبرني، طمئن قلبي يا أخي".

تنهّد قبل أن يلفّ ذراعيه حولي ثمّ ألقى رأسه على كتفي، رفعته ومشيتُ إلى السّرير "لقد... تعبتُ يا أخي." تسمّرتُ في مكاني "أنا مُتعب" همس. نظرتُ إليه فرفع رأسه وقابلني، عيناه دامعتان "إلى متى... تلاحقنا المشاكل؟" طال صمتي فمال مجدّدا على كتفي. لم أعهد منه هذا النّفَس سابقاً، هل هو محبط فعلاً؟!

غيّرتُ وجهتي إلى المطبخ، تحدّثَ مجدّداً: "كلّما نهضتُ، يأتي من يُعثِرُني..." تنهّد ثانيةً "مُتعب،" ارتجف صوته "في الأيّام الماضية كان قلبي يؤلمني كثيراً، لم أقصد أن أحرمك منّي" الغيظ يخنقني، لقد فشلتُ في التّخفيف عنه.

فرّقتُ شفتيّ لأعتذر ولكنّه سبقني بالقول: "أخي هل... نستطيع العودة إلى الماضي؟" التفتُّ نحوه وقد قطّبتُ حاجبيّ مُستهجناً "أودّ إخبار أمّي... عن فِعلة... سليم" هبط قلبي، هل عرف حقيقة الحادث؟!
-لـ لماذا؟!
-عندها سأحظى بأيّامٍ إضافيّةٍ معهما بدل أن أنام بسبب النّوبة... أنا مُشتاق.

أشحتُ بنظري عنه ثمّ أغمضتُ عينيّ، وضغطتُ بيدي على إطار باب المطبخ أسند نفسي. لمس وجهي لألتفت إليه مجدّداً، لم أخفِ دموعي "هل هذا ممكن؟" حرّكتُ رأسي، نفَيتُ ببطء وأسفٍ وأسى، فبكى أخيراً، بهدوءٍ شديد.

عندما أنهى أجلستُه على الطّاولة وجلستُ قبالته "صغيري، نحن لسنا مغناطيساً للمشاكل،" وسّع عينيه "ولكن بسبب غياب والديّ نحن نصطدم بها مباشرةً" صدمتُ كفّيّ ببعضهما لأدعم فكرتي. أبعدتُ شعرَه عن عينَيه وأكملت كلامي: "لم نكن مسؤولَين عن أيّ شيء، كان والدانا يتولّيان أمورنا كافّة، يعتنيان بنا، ويتعاملان مع كلّ مشكلةٍ وصعوبةٍ ويحلّانها ويخفيان تعبهما فنحسب أنّ الحياة هيّنة" أومأ فتساقطت دموعه من خدّيه على ثيابه.

"هادي، في مكانٍ ما هناك جبلٌ يحمي قريةً مبنيّة في كنفه من الرّياح الشّديدة والأمطار الغزيرة والحرارة المرتفعة أيضاً. إذا ما اختفى فماذا سيحصل؟" فكّر وأجاب: "سوف تهاجمها الرّياح والسّيول وموجات الحرّ،" عدّد على أصابعه "وقد تتدمّر بيوتها وقد تختفي هي الأُخرى!".
-(ربّتُّ على رأسه) أحسنت. حالنا يشبه حالها، جبلنا القويّ ذهب، فهاجمتنا العواصف، الموجودة بالأصل.
-هكذا إذن...
-اممم ماذا عمّن يربّي النحل ويجمع العسل، أتراه يتذمّر لو لدغته إحداها؟
-لا، لأنّ هذا ممكنٌ.
-وماذا عنك أنت، هل تتذمّر من مرضك كلّما سعلتَ؟
-لا، لأنّي اعتدتُ الأمر، وهو عارضٌ طبيعيٌّ للرّبو.
-تماماً، وهذه الحياة الّتي نعيشها من دون أهلٍ من طبيعتها أن تكون محفوفةً بالأزمات والتّحدّيات الّتي قد لا يعيشها غيرنا، ولكن، لكلٍّ منّا مصائبه يا أخي.
-(فرك عينيه المحمرّتين) امم
-أنَعِسٌ أنت، متى استيقظت؟
-عندما صلّيتَ كنتُ مستيقظاً.
-ولكنّي تفقّدتك! أتظاهرتَ بالنّوم؟!
-(أخفض رأسه) أجل...
-هادي!
-آسف
-(تنهّدتُ) وهل تناولتَ شيئاً؟
-(رفع نظره إلى السّقف) لم أجد علبة الشّوفان.
-لقد نفدَت والجديدةُ في غرفة التّموين، كالعادة! (نظر إليّ) ماذا عن موزة؟ عصير ليمون؟ أيّ شيء؟!
-أردت الشّوفان معها، قرّرتُ انتظارك.
-(عبستُ) لماذا لم تُعلمني إذن؟ ماذا لو انخفض مستوى السكّر في دمك وأغمي عليك أثناء نومي؟!
-بدوتَ مُتعباً، لم أشأ إزعا...
-(أغمضتُ عينيّ أحاول كظم غيظي) عن أيّ إزعاجٍ تتحدّث؟! إن كنت تحبّني فسوف تدعُني أساعدكَ وأحرص على سلامتك!
-أعتذر...
-لقد وعدتَني سابقاً وأخلفتَ وعدك، اتّفقنا أن لا تكلُّفَ في علاقتنا!
-(قبض على ثيابه) لم أقصد يا أ...
-كنتُ أتلوّى حسرةً عليك في الأيّام الماضية وأنت تستثقل أن أهجر فراشي من أجلك؟!
-(رفع يديه إلى وجهي) جواد أرجوك، لا تقسُ علَيّ!

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن