٩ : ذِكرى وجفاء

1.2K 109 172
                                    

"جواد، أكاد... أختنق، أريد أن... أخبرك بما... حصل" حسم كلام هادي النّزاع الخفيّ القائم، فتنهّد عمّي، وتكلّمتُ ببرودٍ شديدٍ خلاف حالي قبل لحظات: "أنا أسمعك، فقد انتظرتُ طويلاً".

_____

قبل شهرَين (قبل الحادث بيومٍ وليلة)

"هادي، هذا يكفي بنيّ، فلتأخذ استراحة،" مسح هادي عرَقَه وأومأ للمدرّب أيمن، ثمّ هرولَ منسحباً من أرض اللّعبة "سوف يتأخّر رفاقك، إذا شئتَ لا تنتظرهم". مشى هادي إلى الملعب الصّغير، ولمح من بعيدٍ سليمَ يجلس تحت الشّجرة مستنداً على جذعها المتين، تأفّفَ، فلا طاقة له على حركاته الآن. بلغ الزّاويةَ وفتح صنبور الماء، ففتح سليمٌ عينيه استجابةً للصّوت وتكلّم بصوته المنبّه: "هادي! هل جئتُما لتسليَتي؟ انتظرتكما كثيراً... آه لحظة، أنتَ وحدك!" قال بحماسٍ بينما ينهض عن الأرض ويقترب من هادي.
-(فركَ هادي يدَيه بالصّابون جيّداً) سليم أرجوك، أنا مُتعَب، دعني وشأني.
-(تظاهرَ بالخيبة) أهكذا يتكلّم الأصدقاء؟!

تنهّد هادي وانحنى فوق البرميل ليغسل وجهه، فتكلّم سليم من خلفه: "مزاجي سيّئ، وأنت جئتَ وحدك، لذا دعنا نفعل شيئاً مختلفاً، امم؟" بلّل هادي وجهه بالماء البارد مرّة، اثنتين، ثلاث... ثمّ شعر بكفّ سليم على مؤخّر رأسه، وبقوّته تدفع رأسه إلى أسفل. تدارك هادي الأمر وتمسّك بجانبي البرميل ليثبّت نفسه "ما الّذي تفعله؟!".
-(وضع المزيد من القوّة في قبضته) قلتُ لك، أتسلّى!
-ليس هكذا، فلنبتعد عن الماء!
-غريب، ألا تحبّ الماء؟! يا دُولْـــفـــي؟
-(دبّ الرّعبُ في قلب هادي) أحبّه، و... ولكن... هذا الماءُ... ملوّث، قد أمرض... أ... أرجوك!
-(اقترب حتّى انعكس وجهه على صفحة الماء خلف صورة هادي) امرض، وستعتني بك أمّك، يا مدلّلها، صحّ؟! هيّا قبل أن يأتي أحدُهم!
-(أحرقت الدموع جفنَي هادي) سليم أرجـ...

اختفى صوتُ هادي بعد اصطدام وجهه بالماء، ثمّ شهق بقوّةٍ بعد أن أخرج سليم رأسه بسرعة وخيوط الماء تقطر من شعره. "كيف تشعر، أليس منعشاً؟" سأل سليم ولكنّه لم يُمهل هادي فرصة الإجابة، فغمّس رأسه مرّةً ثانية، وثالثة، ورابعة، حتّى تهاوت دفاعاته وارتخت يداه على جانبَي البرميل. شعر سليم بذلك فسأله بقلقٍ مُصطنَع: "هل تعبت؟ مرّةٌ أخيرةٌ بعد، أعدك!" بكى هادي بضعفٍ ولكن دون فائدة، دفعَه سليم هذه المرّة بكلّ سهولةٍ حتّى غطّى كامل رأسه بالماء، هربَت من هادي أنفاسُه فحاول دفع نفسه خارجاً، وفي أثناء تخبّطه استنشق من المياه وابتلعها قبل أن يدعه سليم.

هوى هادي بجسده إلى الأرض وهو يسعل بقوّة، ثمّ سحب نفسَه واستند على الحائط بينما يحاول تنظيم أنفاسه، لكنّها خرجَت قصيرةً وجارحة. صُدم سليم من المشهد أمامه، وكأنّه لم يكن يتصوّر نتاج فعله. تصبّب منه العرق واقترب من هادي على عجَل: "هادي؟ هل أنت بخير، هل... هل تتألّم؟". كان هادي مأخوذاً بالحريق الممتدّ من أنفه وحتّى حنايا صدره، فلم يقوَ على الرّد "أنا... لم أقصد، أنا آسف، حقّاً... اسمع... إن أخبرتَ أحداً سأوسع صديقكَ ضرباً... سأوسع مهدي ضرباً... فهمت؟ لا تخبر أحداً، أرجوك، آسف... آسف..." راقبَ هادي الآخر وهو يبتعد عنه راكضاً، ثمّ مال بجسده على الأرض واستسلم للظّلام.

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن