٢٢ : كُرمى لقلبك

1K 101 80
                                    

أصرّت لميس على إيصالنا إلى البيت عوضاً عن أبيها، وعندما وصلنا عرفتُ السّبب، فقد أنزلَت صندوقاً، ماذا أسمّيه، صندوق سعادة؟ كان مليئاً بالقرطاسيّة الّتي أحتاجها، ولكنّها مُحفِّزةٌ ومُبهجة، أعترف أنّي سعدتُ بكلّ قطعةٍ كطفلٍ صغير.

كانت العبارات التّشجيعيّة مطبوعةً أو محفورةً على الأقلام وأغلفة الدّفاتر، وجدتُ بعضها من الأمثلة المشهورة، وبعضها الآخر من الأحاديث، وأُخرى تشبه... هادي؟ شعرتُ به يحضنني من الخلف ثمّ سأل: "أخي، هل... أعجَبَتك؟". آهٍ قلبي، فليُسعفوني! هل فعل هذا من أجلي؟

ضحكَت لميس وشرحَت لي بعد ملاحظة الدّهشة على وجهي: "هذه فكرة هادي، كلّ شيءٍ من اختياره!". أغرقَت الدّموع عينيّ، قرّرت أن أقول شيئاً لأشغل نفسي عن البكاء: "ألهذا السّبب اختفيتِ عصر اليوم؟!".
-صحيح، اتّصلوا بي وأعلموني بجهوزيّة الطلبيّة... ابكِ يا صغيري لا تخجل!
-هذا ليسَ... حسناً... تعال يا أخي إلى حضني.

_____

قرّرنا الاستمرار بالدّراسة الجَماعيّة لمدّة أسبوعين، مكث خلالهما أصدقائي في بيتنا ينامون في الطّابق العلويّ، فمغامرات هادي اللّيليّة لم تكن لتوفّر لهم نوماً هنيئاً. صحيحٌ أنّ وتيرة الكوابيس خفّت، ولكنّ الرّبو كشّر عن أنيابه، ربّما بسبب اشتداد حرارة الطّقس ورطوبته، عادت النّوبات بعد أن كدنا ننسى مُرَّها.

اعتمدتُ مع الرّفاق برنامجاً مكثّفاً ولكنّا حرصنا على أخذ القسط الكافي من النّوم، والرّاحة نهاراً بين المواد استغلّيناها في إنجاز الأعمال المنزليّة متعاونين، والغذاء الصّحيّ. وخصّصنا نصف ساعةٍ للمشي، استمتع هادي خلالها كثيراً فقد لعب دور المدرّب.

مع مضيّ كلّ يومٍ صرتُ ألاحظ تقبّله للابتعاد عنّي أكثر، ولأن أغيب عن نظره، لذا صار يقضي وقتاً كبيراً منشغلاً بأنشطته من الرّسم إلى الخطّ إلى التّمارين الجسديّة الّتي أضافتها طبيبةُ المشاعر إلى برنامجه، وقد بان أثرها جميعاً على جودة نطقه كذلك. أحياناً كان ينتبه فجأةً فيأتي راكضاً ويحضنني، وكانت هذه اللّحظات القصيرة تؤجّجُ شعوراً في داخلي: لا قيمة لي إن غفلتُ عن هذا الصّغير، لستُ أستحقّ الحياة إذا ما تركته يرفع أثقال يُتمه منفرداً.

لا أخفي أنّي آنس بقُرب هادي منّي، بل وبتعلّقه بي، فأنا أيضاً افترسني الفراغ إبّان فقدان والديّ محدثاً فجوةً تزعجني على الدّوام، وحبّ هادي ينسيني آلامَها العميقة، ولكنّي حتماً أريده أن يعود إلى استقلاليّته السّابقة.

فقد خطّطتُ لإشراكه في نادٍ أو اثنين، حسب تقبّله، أثناء فترة ما بعد امتحاناتي، وهناك الجلسات الحضوريّة مع الأستاذة أمل، وهناك أيضاً العامُ الدّراسيّ الّذي سيقرع بابَنا في رمشة عينٍ. يجب أن يكون جاهزاً لخوض كلّ ذلك، وإلّا فسوف أضطرُّ إلى تأجيل جامعتي إلى الفصل الدّراسيّ التّالي.

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن