١٣ : تحطيمُ قلب

1.3K 109 249
                                    

ملتُ برأسي على رأسه واستسلمتُ للذّكريات، هذه كلمات أمّي وأبي، كانا يردّدانها علينا عندما نخطئ، بعد الحساب طبعاً. كم أشتاق لتلك الأيّام! شكراً لك يا هادي على إحياء هذه الذّكرى.

____

برودة كفّ عمّتي على جبيني أيقظتني "سوف تغرب الشمسُ قريبا، فلتتناول طعامك ولتأخذ دواءك قبل الصلاة، هيّا حبيبي" تحدّثَت بعطف. نظرتُ إلى حيث كان هادي نائماً بجواري، الفراغ مزعج، أودّ لو يبقى تحت ناظريّ. "أين هادي؟ يفترض أن يبقى مرتاحاً" سألتُها بينما آخذ منها صينيّة الطّعام.
-انتقل إلى غرفة عمّتك، قال إنّه لا يريد إزعاجك فنزع الكمّامة عن وجهك وطلب من خالك حمله إلى غرفتها.
-حصل كلّ هذا ولم أشعر بشيء!
-أنت أيضاً كان من المفترض أن تبقى مرتاحاً ولكن... هكذا فرَضت الظروف.
-(احتلّ الأسى ملامحَها) عمّتي، كيف حال لميس؟
-سوف تكون بخيرٍ بعد أن نتحدّث براحة، ليس هنا، لا أريد أن أضغط عليها أكثر. أنا ممتنّةٌ لنجاتها من قذارة ذلك الوحش، الحمدُ لله، ولكنّ هذا دليلٌ على وجود ثغرةٍ في منزلي يا جواد، وعليّ ترميمها بدقّةٍ وعناية. كدتُ أفقد ابنتي الّتي ربّيتُها جيّداً بسبب شابٍّ مدلّلٍ عديم التّربية... يجب أن أبحث عن الثّغرة الّتي استغلّها ليصل إلى قلبها، وأملأها بنفسي، هذا واجبي كأمّ. وأنتما... علمتُ أنّك أبعدتها عنه، وهادي، لو أمضيتُ عمري أقبّل يدَيه فلن أوفيه حقّه. الحمدُ لله على كلّ حال.
-قمنا بواجبنا عمّتي، وأنت لن تقبّلي يد أحد، فأفضالك تغمرنا... شكراً على الطّعام، لذيذٌ كالعادة.
-بالهناء والشّفاء يا سند عمّتك.

مشَت صوب الباب وتوقّفت فجأة "نحن لن نطيل البقاء ليلاً، وسامر رفض مغادرتكما، لذا لا تلمنا على ترككما هنا!".

ابتسمتُ وأومأتُ، في الواقع لم أكن أفكّر بالمغادرة، فحسب توقّعاتي ستكون هذه اللّيلة صعبةً على هادي ولن أتمكّن في وضعي الحاليّ من رعايته كما يجب. كما أنّ بذلي لأيّ مجهودٍ في المنزل سيؤثّر عليّ، وأنا قد مللتُ من هذه الحواجز بيننا، أريد أن أُشفى سريعاً لأعوّضه وأخدمه كما يستحقّ.

_____

أصبتُ بشأن هادي، ولكنّي كنتُ أسوأ حالاً بحيث تركَته عمّتي سماح بعد أن ساعدَتهُ على أخذ أدويته وشغّلَت جهاز الأوكسجين، لتسهرَ عندي، وقد فهمتُ هذا منها بعد أن كرّرَته لمرّاتٍ عديدة، ولكنّي كنتُ أفيقُ من كابوسٍ لأسقط في آخر، فاختلَطت عليّ الأمور.

رغم ذلك لم يكن الحال سيّئاً برمّته، لماذا؟ لأنّي رأيتُ والديّ يعتنيان بي، لم تكن عمّتي من تبلّل الكمّادات وتمسح بها وجهي، بل كانت أمّي. كنت أرى شفتَي عمّتي تتحرّكان، ولكنّه صوتُ والدي الّذي خفّف عنّي وألهاني عن الحمّى والآلام الّتي قرّرَت الثّأر منّي بسبب حركتي الزّائدة أثناء النّهار، حتّى غفوتُ أخيراً بسلام. هكذا مضت اللّيلة، كوابيس وتخيّلات، وألمٌ وسلوة.

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن