١٠ : انهيار

1.3K 104 128
                                    

"طيّب... لأنّكَ وقعتَ وتشعرُ بالألم، سأسمح اليوم فقط بمخالفة النّظام،" انتظرَني لأُُكمل "سننام في غرفة أمّي وأبي، هذه اللّيلة فقط". توقّعتُ أن يصرخ، يضحك، يتوقّف عن البكاء على الأقلّ... ولكنّه عبّر بطريقةٍ مختلفة: رفع صوتَه أكثر وزاد تدفّق دموعه. أخي المسكين.

_____

لم نستطع النّوم. هادي يوقظه ألم ذراعه والكوابيس، وأنا يوقظني هادي ويتآكلني النّدم. ليتني أنزلتُ له الدّمى نهاراً، لم يكن ليسقط ويؤذي نفسه هكذا. ليتني لم أقسُ عليه. ولكنّه معجونٌ من العاطفة، لا يعرف كيف يحقد، لا يُجيد التّصنّع، كلّما فتح عينَيه يتلمّس وجهي، يتأكّد من أنّي حقيقيّ، ثمّ يبتسم رغم ألمه. هادي نقيّ، وأنا فخورٌ بذلك. إن لم أعمل على معالجة نفسي والتخلّص من أثقال فؤادي، فلن أستطيع الحفاظ عليه هكذا، فالعالم قاسٍ بما فيه الكفاية، إن لم أصُنْه هنا وأُغرقه بالحبّ والرّعاية، فسوف تلتهمه ظلمات النّفوس الملوّثة في الخارج. قلب أخي الجميل يجب أن يبقى نيّراً، وأنا غفلتُ عن ذلك وأسأتُ له، ومسستُه بشرارة اللّوم.

مددتُ يدي لأُبعد خصلات شعره عن عينَيه، ففتحهما بمجرّد لمسه. ابتسمتُ في وجهه، فخطفَ كفّي بحركةٍ مفاجئةٍ وقبّلها، ثمّ غفا سريعاً. دموعي لم تتوقّف، منذ حملتُه إلى هذه الغرفة وأنا أبكي. كلّما غادرَت شهقةٌ صدره سكنَت صدري، وازداد إحساسي بالذّنب. ألم أكن صباح الثّلاثاء قلِقاً عليه، كيف تحوّلتُ في غضون ساعتَين وتجاهلتُ حاجته إليّ؟ لقد حصل المِثل عند وفاة والديّ، كنتُ أتحرّق لمعرفة أحواله، ثمّ غدا في الصّفّ الأخير من اهتماماتي.

لا أريد لهذا أن يتكرّر، فهو أغلى شخصٍ على قلبي، سأجنّ إن أصابه مكروه، فلماذا أسمح بتزلزل رابطنا، لماذا أرضخ لوساوس الشّيطان وأخيّب ظنّ أخي مرّةً تلوَ أُخرى؟!

والداي لن يعودا، وهذا الصّغير الّذي خسر دلاله القديم هو الوحيد المتبقّي لي. أيّ عاقلٍ يطعن قلبه بالسّكّين؟ أيّ بستانيٍّ يدوس أزهاره؟ أنا أفعل هذا بأخي، أنا أؤذي نفسي بنفسي. استيقِظ يا جواد قبل أن يفوت الأوان، اطرُد تلك الوساوس، حطّم تلك القيود، قدّم لأخيكَ ما يستحقّه، قبل أن يفوت الأوان ويقع ضررٌ غير قابلٍ للإصلاح.

_____

تواصلتُ مع عمّتي سماح بعد صلاة الصّبح وأعلمتها أنّي متغيّبٌ فلا داعي لتقصدنا اليوم، وأعلمتُ سائق الحافلة الّذي يقلّني إلى المدرسة، ثمّ عدتُ إلى السّرير. لم أستيقظ ثانيةً إلّا وقد استوطنت الشّمسُ كبدَ السّماء. صلّيت ثمّ بذلتُ مجهوداً لإيقاظ أخي، تناولنا الغداء بدل الفطور، وجلستُ لأدرس، بينما توجّه هادي لزيارة مهدي.

_____

طُرق الباب بعد وقتٍ أقلَّ ممّا تستغرقه زياراتُ هادي عادةً، فلم أتوقّع أن يكون هو. فتحتُ الباب وتفاجأتُ به، جثوتُ لأبلغ مستوى طوله ونظرتُ إليه مطوّلاً، انتظرتُ أن يتكلّم لكنّه اكتفى بالتّحديق بي. كسرتُ الصّمتَ أخيراً: "ماذا به أخي؟ لماذا عاد مبكّراً؟".

صغيري عُد إليّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن