أنه أكثر قربًا للأرض

1K 42 31
                                    


هل يحظى البشر بحياة عادلة؟ وكيف يمكنه صنع حياة جيدة؟ أكان من السهل تخطي الماضي؟ أو تناسيه لأجل المستقبل؟ تخبطت تلك الاسئلة داخل عقله تأبى الخروج من حلقه، ولا يجد أجوبة تناسب ما آمن به من منطق.

جلسَ وعلامات الإرهاق واضحة عليه من الحبر الذي تكومَ أسفل عينيه المحمرتين المُرأرأتين، متى كانت آخر مرة نام فيها؟ كل ما يتذكره أن ذكرى نومه الأخير بعيدة جدًا، قضمَ شفته السفلى كإفطاره الوحيد جانب كأس الحليب الدافئ أمامه، رغم أن والدته لا تقتنع بأن ما يتقشر من شفتيه هو غذاءٌ مشبع بالنسبة له.

ظهره مقوَّس بشكلٍ غير مريح لكنه لا يملك طاقة لتعديل طريقة جلوسه، ربما يشعر بالنعاس، لا يدرك أن كان نعاسًا أم جوعًا، على أي حال هو ينتظر أن يستيقظ أخاه ليقله إلى الجامعة في يومه الدراسي الأول، ولكن هيهات أن يخرج من غرفته، مهما فعل فهو لا يستيقظ ابدًا.

أخرجه من شروده صوت وضع الصحون على الطاولة التي كان جالسًا بجانبها فرفع رأسه إلى والدته التي تحدثت فورًا بينما تغادر إلى المطبخ خلفه: «هل غسلت وجهك؟ لا تزال ملامحك نعسة جدًا». حطَّ رأسه على الطاولة مجيبًا بتثاقل: «غسلته». فردَّت عليه بينما تضع صحونًا أخرى على الطاولة: «هذا لأنك لا تأكل! لا يكفي أن تشرب كأس حليب فقط». دفعت صحنًا من عجة البيض والخبز المحمص جانب نصف الصحن من الخضروات: «سيكون هذا الصحن جيدًا لبدء يومك».

ضربٌ من خيال أن يأكل بيضًا! لقد تقرف من شمِّ رائحته لوحدها، فجلس معتدلًا ثم ارتشف من كوبه يضعه حيثما كان، بعدها وقف من على كرسيه مغادرًا الطاولة إلى المطبخ خلفها: «دعني أساعدك في نقل الصحون» تحدث متهربًا من تناول ما قدمته والدته بينما ينظر إلى المطر الغزير في الخارج عبر النافذة.

مرت جانبه عندما نقلت وجبة جديدة من الصحون إلى الطاولة بينما هو بالكاد وصل المطبخ بخطى ثقيلة مترنحًا، لا يمكنه أن يعيش في الصباح الباكر البارد، ليس مع توبيخ أمه عالي الصوت حاد النبرة: «ستأكل كل شيء رغمًا عنك، الجامعة متعبة أكثر مما تظن». كان أخوه الأكبر في المطبخ يعد بعض القهوة لمن لا يرغبون في شرب العصير، فتحدث إليه بهدوء: «هل تريد أن أطبخ لك شيئًا؟». نفى برأسه إلى الجانبين وأخذ كوبين من العصير لنقلهما إلى الطاولة وأجابه: «لا اريد شيئًا كريستوفر، شكرًا لك على أي حال». ثم خرج من المطبخ.

عندما وضعَ الاكواب على الطاولة لم تكن والدته في الصالة، ومن خلال صوت الخطوات المرتفعة الذي صدر من الأرضية الخشبية للطابق الثاني أدرك نها غاضبة جدًا، فلا أحد منهم نزل إلى الإفطار رغم تأخر الوقت وهي لا تحب مغادرة أحد أطفالها دون إفطار، أنهم يستحقون هذا، لقد حاول إيقاظهم لكن لا أحد منهم استجاب له.

ولأن أمه لن تنزل من الطابق الثاني قريبًا، رمى نفسه على الأريكة بأهمال يفتح هاتفه، كانت مجموعة الإتصال بينه وبين صديقيه تشير إلى آلاف الرسائل غير المقروءة، رغم أنه فتح الدردشة قبل سويعات فقط، ضغط عليها ليجد محادثة عشوائية بينهما تفتح موضوعًا مختلفًا كل رسالتين.

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن