كل شيء يؤلم

221 20 15
                                    

جلس كريستوفر على كرسي خشبي وملامح الإرهاق التي حاول اخفائها بشدة واضحة على ثنايا وجهه الشاحب الذي لم ينل كفايته من الراحة، امتلك في الآونة الأخيرة عملًا كثيرًا جعله ينشغل عن القيام بالأمور الأساسية في حياته مثل تناول الطعام والنوم، انخفض تركيزه فعادَ إلى المنزل آملًا في الارتياح، لكن الآن هو أمام والدته ذات التعبير القلق الذي لا يمكنه أن يتجاهله ببساطة.

كان شعره الأشقر مبعثرًا على غير العادة فرتبه عبر تمرير أصابعه فيه، ثم تكلم ثانيةً مستطردًا حديثه وهو يقاوم رغبته الشديدة في النوم: «لا يمكنك الدخول إن ذهبتِ أمي لأنه في قسم العناية المركزة». نظرت نحوه بصمت في شرود هنيهة ثم تنهدت تنزل رأسها إلى الأسفل.

لم تكن بحالٍ جيدة وهيليا ليس السبب، أو على الأقل ليس السبب الوحيد، هذا ما رآه كريستوفر وما دفعه للحديث مرة أخرى: «لا تحملي همًا فوق طاقتك، أنا واثق بأنه سيكون بخير». ثم استطرد بعد هنيهات عندما لم يلاحظ ردًا: «هل كل شيء على ما يرام أمي؟».

هو ابنها الأكبر وأكثر من كان قريبًا لها، يدرك جيدًا أن أمه لم تعد بمقدار الحيوية التي كانت عليه سابقًا، أوراقها تسقط بسرعة لم يشعر تجاهها براحة، أنه أمر مؤلم بالنسبة له، لا يحب رؤية أحد أفراد عائلته يذبل بهذه الطريقة، سيساعد مهما كلفه ثمن المساعدة.

مسح وجهه بيديه محاولًا طرد شبح النعاس ثم تحدث بنبرة أكثر وضوحًا وجدية: «من ماذا أنتِ قلقة؟ أنا ابنك، ألا تثقين بي؟». لم ترفع رأسها وظلت صامتة، فأعطاها وقتًا تفكر فيه ولم يتحدث بدوره بل بقي ينظر إلى جانب وجهها الذي ترسمت عليه بعضٌ من التجاعيد التي كان من الموجع رؤيتها.

«عندما أخبرت والدك عن الأمر أخبرني أنه ليس شيئًا من المفترض القلق حوله، ثم ذهب لينام». تحدثت كاسرةً الصمت ليرفع رأسه نحوها دون ملامح عليه، فتكلم هادئًا بعد سكون: «هل هذا غريب؟ أبي يكون هكذا دائمًا مع هيليا وذلك ليس شيئًا يجب أن تشعري بالذنب حوله».

نظرت إلى عيناه محاولةً تصنع القوة، ومهما فعلت فهي تفشل أمامه، ثم تكلمت بنبرة تمنت أن تحتوي على نوعٍ من الحدة بدلًا من الاهتزاز السابق الذي كان واضحًا فيها: «لم يعد يعود إلى المنزل كثيرًا، ألا تشعر بأنه يهملنا؟!».

بقي يحدق بها دون رد، هو متأكد بأن كلمة يهملنا في الجملة لا تعنيهم، بل تعنيها فقط، يدرك جيدًا أن علاقة والديه فيما بينهم سيئة، لكن والدهم كأب هو شخصٌ مثالي ولم يهملهم بما أنه يملك القدرة على فعل ذلك،
فهو يقوم بواجباته التامة تجاههم.

«الذنب يقتلني كريستوفر». رد عليها وبعضٌ من عدم الفهم بدأ يتكون عنده، ولديه رجاءٌ صغير في أنه قد بدأ يمسك طرف الخيط الذي يوصله إلى سبب كل الغرابة التي صارت تحصل في الآونة الأخيرة: «ذنبٌ تجاه ماذا؟». أدخلت هواءً إلى رئتيها تمسح تلك العبرات التي انسابت من مدمع عينيها تجرُ أنهارًا على بشرتها الصفراء متحدثة: «هل كنت أُمًا جيدة كريستوفر؟»

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن