إضطرابات عاطِفية

230 18 17
                                    

همهمت بغير فهمٍ تنظر إليه، ثوينات حتى ادركت ما قاله لتتغير ملامح وجهها، وشعورٌ كبير بالثقل في قدميها قد باغتها، لكنها وعت على ذلك وردت عليه بنبرة طبيعية: كسابقتها «ماذا؟ هل عمي يوافق على هذا؟». عقد حاجبيه باستغراب يحدق بها رادًا بنوعٍ من عدم الاهتمام: «وهل تنتظرين رأي أبي؟ أنه يتحكم في حياتك، اختيار شريكك المستقبلي لا يكون بهذه الطريقة، نحن بالغان وفي مرحلة لتأسيس ما سنكون عليه، لا يمكنك أن تعلقي معي».

كلامه صار يضايقها دون سبب، يضيق عليها أكثر من موضوع خطوبتهما المقيتة، هل فكرت في مسارٍ آخر للأمر في وقتٍ سابق؟ وكأنه يصفعها بقوة الآن، كل شيء فكرت به يتبخر، وربما أنها المرة الأولى في حياتها التي توضع في موقفٍ كالذي هي فيه، أهذا شعور الرفض؟ أأصابه الملل منها؟ أو أنه لم يفكر بها منذ البداية؟ هل ترجمت تصرفاته بشكل خاطئ؟ بماذا كانت تفكر اصلًا؟ بقيت صامتة لهنيهاتٍ قصيرة، ثم ابتسمت ابتسامة صفراء صغيرة: «إذ كنت تملك خيار إنهاء هذه الخطبة لماذا انتظرت إلى الآن؟».

كان ينظر في عينيها، هي لا تزيح نظرها أبدًا أمام أي أحد ولا أمامه، لطالما رأت فيهما دفئًا وليس تحدي كالآخرين، لا يمكن لذلك الدفئ أن يختفي، ليس دفعةً واحدة.

ردَّ عليها وفي نبرته هدوءٌ مخيف، وكأنه ليس من تعرفه، أو أنه كان هكذا دون أن تنتبه؟: «لم ولا أملك خيارًا، لكن أخبرك أن لا تلتزمي بوجودي، أنا سأغادر المنزل بعد فترة قصيرة إلى مكانٍ آخر». ثم أنزل نظراته قاطعًا تواصلهما البصري، أنتظر منها ردًا لكنه لم يجد، ولأنه يرى نفسه يعلم ولو قليلًا عنها ظن أنها ستجد ذلك إهانة وربما هي غاضبة الآن، فأكمل مبررًا: «أعلم انك لا تحملين أي مشاعر لي، لهذا أنا أخبرك ما أخبرك به، ليس ما أقوله إهانة لكن استمرارك معي ما هو إلا ظلمٌ لنفسك، أعني من ناحية كوننا مخطوبين اجتماعيًا، ومن ناحية أخرى فأنا أقول هذا لك لأنك شخص مهم في حياتي جوستين».

لم تعد تعي شيئًا، إلى أين سيغادر فجأة؟ ما الذي يملكه ليغادر؟ لماذا في هذا الوقت؟ هي لم تقلل من قدر نفسها أبدًا، ولم يقلل منها هو أيضًا، لكنها شعرت وكأنها أصبحت اصغر حجمًا فجأة وكأن ما في صدرها الآن صار مجوف، كما الحال مع عقلها الذي توقف عن مجاراة الواقع، وكأنهما كانا في علاقة عاطفية قد جابت الأفق، ليس علاقة لم تحوي إلا على نظراتٍ قصيرة وابتسامات.

وفي لحظةٍ حاولت استجماع فيها رسمت ابتسامة أكثر وضوحًا، هي لا تفهم ما الدافع لحدوث ما يحدث لكن في أصل الأمر لا علاقة عاطفية تجمعهما، ومثلما أعتبرها شخصًا مهما في حياته فهي تراه كذلك، ثم اقتربت منه قليلًا تضع يدها على كتفه: «لم تكن تلك الخطبة حقيقية على أي حال هيليا، قبلها أو بعدها نحن لا نزال اصدقاء مقربين، لا تزعج نفسك حول هذا الموضوع». لم ينظر لها بدايةً، لكنه رفع رأسه وفي ملامحه شيءٌ لم تفهمه، ولم ترغب في أن تفهمه، واستطردت: «أتمنى أن تكون خطوتك القادمة موفقة! هل تحتاج إلى شيءٍ آخر الآن؟». ابتسم ثم نفى برأسه فابتعدت قليلًا تتجه نحو الباب: «إذًا اتمنى لك الشفاء العاجل». وغادرت على مهل.

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن