روحٌ مُبَعثرة، وذِهنٌ مشتَت

236 23 15
                                    

مضت عدة أيام سريعة قضاها في المستشفى على سريره، حتى المشي كان بداية الأمر صعبًا لكن مع مضي الوقت عادت قدرته على الوقوف مجددًا، وبصراحة فكرهه للمستشفى ازداد بعد كمية الإبر التي اخذها، كانت بمثابة تعذيب بطيء له، خاصة أنه لا يستطيع الإعتراض ويخجل الإقرار بخوفه والفزع.

أخذ بعضًا من التحاليل والفحوصات جميعها لم تكن بذلك السوء، لكنها لم تكن جيدة بما يكفي ليقال أنه بخير، والآن طبيبه يتحدث عن التحليل الأخير، هو سيغادر المستشفى بعد قليل فإن اخته قد أتممت كل الأوراق اللازمة للخروج.

«هل تدرك أن نسبة الحديد الطبيعية لرجلٍ بالغ هي خمسمائة على الأقل؟». تحدث اثناء تقليبه الأوراق بعناية، هو ليس جيدًا بهذه الأشياء لكنه أومأ بصمت كما الحال مع مورغان جانبه التي نسيت أغلب الأساسيات بعد تخرجها بسنة، وصمتهم ذاك جعل الطبيب يكمل: «نسبة الحديد في دمك أربعة فقط، وأما عن دمك فهو ستة، هذا لا يختلف أبدًا عن فحصك الطبي السنة الماضية، لا تغيير لذلك من المفترض أنك عدت إلى طبيعتك غير الصحية والتي تحتاج إلى رعاية خاصة».

لطالما كان كل شيء في جسده شحيحًا بسبب ضعف مناعته، وبما أن الأمر لا يؤثر على حياته بشكلٍ يؤدي إلى الموت المحتم فلا بأس بالنسبة له، نظر نحو شقيقته التي كانت تحدق نحوه في عتاب ثم أنزل رأسه، لا يمكنه تحمل ولو نظرة أخرى أكثر، هو متعب جدًا نفسيًا وجسديًا إلى درجة تجعل تحمل أي شيء مهلكًا.

«يمكنك الخروج من المستشفى في الوقت الحالي، لكن لا تجهد نفسك وحافظ على تناول أدويتك في مواعيدها». أومأ دون إضافة، فأستطرد الطبيب: «آمل لك شفائًا عاجل». ثم خرج يتركه بمفرده مع أخته الكبرى التي لم يكن بوسعه تجاهل نظراتها كثيرًا، فرفع رأسه في صمتٍ جاء من كلاهما.

ضربة باغتت مؤخرة رأسه بقوة جعلته يرتد قليلًا إلى الأمام، وقبل أن يستوعب تلى تلك الضربة توبيخ شديد النبرة: «ارتحت الآن؟ كم مرة أخبرتك أمي أن تأكل جيدًا؟ لا أرى عنادك ينفعك». نظر نحوها في امتعاض يدلك مكان الضربة وأجاب مغمغمًا: «يعني وكأن هذا لم يكن ليحدث لو اكلت شوربة دجاج لا احبها، لا علاقة لهذا بهذا-». ضربةٌ أخرى جاءته في نفس المكان، ثم سمع صوتها الغاضب: «لم تكن لتدخل المستشفى كل هذه المدة على الأقل! أنت تهمل نفسك وهذا شيء لا نقاش فيه».  «إذًا ما الذي تريدين مني أن أفعل؟». «تخرس إلى أن نصل إلى المنزل».

صمت يراقب وقوفها، ثم كلامها أثناء مغادرتها: «غير ملابسك وأنا انتظرك جانب الغرفة». وأغلقت الباب، بقي جالسًا ينظر نحو الفراغ هنيهات معدودة، ثم وقف يمدد قدميه فهو لم يكن يمشي كثيرًا حتى بعد استيقاظه، المشي في بدايته مؤلم جدًا لصدره.

لا يعرف إذا ما كان والده قد أدرك أمر باريس أم لا، وعلى أي حال فهو في معضلة كبيرة لأن الآخر لا يمانع قتله حقًا، كان هيليا يضع الفكرة في رأسه دائمًا لكن وجودها على أرض الواقع صعبة، وعلى أي حال هو بدأ يتقبل الموضوع تدريجيًا، ما المشكلة في أن يعرضه والده إلى أمرٍ كهذا؟ بالنهاية هو من أشعل تلك النار، لذلك عليه أن يتناسى أنه ضد أبوه اصلًا، هو ضد شخصٍ ما فقط.

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن