مُعجبة بوالده

278 23 4
                                    

فتح هيليا عينه ببطءٍ وخوف ليرى ظل جسد كريستوفر الضخم يغطيه واقفًا أمامه متلقيًا الضربة على وجهه بدلًا من هيليا، تُرِكَ أثرها محمرًا نازفًا على وجهه، لكن نبرته المتزنة والجادة لم تتغير عند حديثه: «هو لا يزال مراهقًا أبي، لا يمكنك أن تنفعل بهذه الطريقة».

لم يعرف كريستوفر ما دارَ بينهما ليصل إلى هذه النقطة، لكن بالرغم من أي شيء قد يحصل فلا يستحق الأمر الضرب بحزامٍ من الجلد على ذلك الجسد الضعيف، والده لم يفعل شيئًا كهذا من قبل، وهو متأكد بأن موضوع شجارهما يتعلق بالتحاقه لكلية الفنون، وأن كان يخص شيئًا آخر.

أنزل رودريغو حزامه بوجهٍ جاف يحمل مغمضًا عيناه يحاول تهدئة نفسه، لم يشعر بكريستوفر وهو يأتي إلى هنا فقد أعماه الغضب، لكن مع ذلك هو تحدث ساخطًا: «أي مراهقة متأخرة هي هذه في الثانية والعشرون؟ أنه مجرد طفل مستفز يثير أعصابي ولا يستحق أن تقف بيني وبينه لتؤذي نفسك».

لم يستطع التركيز فيما يتحدثون فيه، حاول الوقوف لكن يده التي سقط عليها كانت تؤلمه، لا يمكنه سماع شيء سوى صوت صياح رودريغو العالي، هو أراد أن يأخذ كوبًا من الماء لا أكثر، لكن يبدو أن والده غاضبٌ للغاية، سواء كان السبب أم لا، لم يكن يتوقع أنه سيخاف، لم يتوقع أنه سيترجف، أنه سيكون محرجًا.

انتشلته مورغان من المكان الذي كان فيه، ولم يسترد وعيه إلا وهو جالس على سريرها تهز أكتافه بقوة حتى خلعتها: «ما الذي فعلته بحق كل ربٍ تؤمن به؟ كيف جعلت والدي يغضب هكذا؟».

بقي ساكتًا، ليس لأنه لا يود الحديث، بل لأنه يشعر بفكه قد كُسِر، ولأن الكلام ثقيل، كل ما استطاع الشعور به هو نزيف شفتيه وأنفه بأنهارٍ من الدماء الحارة على بشرته الباردة.

جعلته يجلس على سريرها لتأخذ صندوق الإسعافات الأولية، تقطع قطنه تبللها في مسحوقٍ سائل معقم ثم تمررها على جروح عينه وشفتيه بحنق: «ماذا لو لم يكن كريستوفر موجودًا؟ أبي لا يسمع لأحد غيره عندما يكون غاضبًا، ما الذي كنت ستفعله؟ هل تريد قتل نفسك؟! أنت تعلم بأن أبي لا يستلطفك».

الجميع معتاد على تعامل رودريغو الجيد كأب معهم، لكنه ما أن يصبح مع هيليا إلا وقد بدأ بالشجار، غالبًا جميعها بسبب الأشياء التي يفعلها أو يقولها هيليا، أو لأنه هيليا فقط، لم يصل الأمر إلى الضرب القاسي في أي وقتٍ سابق، لكن هذه المرة كان ساخطًا للغاية.

لم يتحدث، فتكلمت جوستين التي كانت واقفة بجانب مورغان، هي فزعت من الصوت المرتفع لعمها، لكن الجميع قد عرف أنه شجارٌ آخر بينهما فرودريغو لا يغضب أو يصرخ على أحد غير هيليا: «تخيل أن عمتي موجودة؟ ستنسفنا يا أخي! سيموت الجميع، ألا يمكنك إمساك نفسك عند رؤية والدك وعدم الحديث؟».

كانت الطبطبة على جروحه بذلك القطن المُعَقم مؤلمة، فردَّ عليها مكشرًا ملامحه بأنزعاج وحنق: «أنا لم أفعل شيئًا خاطئ! جميعكم اخترتم ما اردتموه، فلماذا يجبرني أنا على تخصُصٍ لا أريده ولا يمكنني الحصول عليه؟ أنه غاضب من شيءٍ ما اصلًا وفرغ ذلك بي، صدقوني أنا لم أفعل شيئًا خاطئ هذه المرة!». تذكر حديثه الاخير مع والده ليصمت، ثم أكمل بنبرة خفيضة: «ربما فعلت، لكن لم أكن أحاول أن أبدأ شجارًا، لم أكن أحاول».

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن