جسدٌ كليل

206 18 8
                                    

اتكئ على طاولة عشوائية بمفرده ينظر إلى الطلاب الذين يمرون أمامه لأنه الشيء الوحيد الذي يستطيع رؤيته، الجو قارس البرودة بشكلٍ مؤلم للتنفس اليوم، الشمس غائبة منذ أيام والغيوم الملبدة هو كل ما تستطيع رؤيته عندما ترفع رأسك إلى السماء.

لكنه كان مرتاحًا، لقد نام ليلة البارحة رغم أن كابوسًا مقيتًا قد راوده أعاد إليه لوعة طفولته، إلا أنه لا يزال سعيدًا لأنه استطاع الحظو بسويعاتٍ من النوم، أنه شيءٌ بسيط قد حُرِم منه لأيام مضت.

نسي أن يأكل شيئًا في الصباح، ونسي أن يأكل شيئًا البارحة، وهكذا قد خارَ جسده بطريقة جعلته غير قادر على إسناد نفسه، معدته تؤلمه والصداع في رأسه لا ينفك عنه، كما أن فقر الدم لديه يضاعف برودة الجو كثيرًا.

بعثر شعره بيده إلى الخلف وامارات الانزعاج توضحت عليه، لم يبلي حسنًا في امتحان تاريخ النحت رغم أنه قد درس له جيدًا، لا يصدق أنه قد عاد إلى بلاء الامتحانات بعد أن تغيبه عن الدراسة لسنتين، هو بكل بساطة لا يستطيع أن ينجح في امتحان، على الأقل ليس في جامعة عالمية مرموقة رغم أنه يحاول بشدة، لكن التركيز مهمة صعبة للغاية بالنسبة له، صعبة للغاية.

شعر بشخصٍ يجلس أمامه فأنزل نظراته من السماء إليها، جوليان التي بيدها ساندويتش غير مفتوح تنوي أن تأكله، لكنه أخذه منها على حين غفلة منها ليتحدث دون النظر إليها: «أنتِ تأكلين طول الوقت وهذا ليس جيد لوزنك».

فتحها وأراد أن يأكل منها لولا أنه قد رأى تعبيرها الهادئ، كان مستعدًا لتلقي سيلٍ لا متناهي من الضربات أو بعض من الشتائم، أنزل الساندويتش ثم تكلم: «ما الذي حدث لك؟ أنت قبيحة جدًا بهذه الملامح». ضربته على كتفه بقوة، ربما هي ليست بذلك السوء.

أرجعت شعرها البُنّي إلى الخلف بهدوء لتتنهد، وبعدها تحدثت بغضبٍ عارم وسرعة شديدة: «لقد كنت أمزح بشأن الوقوع في حبه لكنه فجأة صار الشيء الوحيد الذي افكر به، كيف؟ لماذا؟ أنا لا أعلم لكن هذا قاسي، لا يمكنني فعل شيء، هل أعترف له؟ هل هذا ممكن؟». ثم اخفضت نبرة صوتها لتكمل: «كنت معجبة بوالده».

ظنَّ بأنها مشكلة عويصة قد تسبب في طردها من منزلها، لكن الأمر متعلق بالحب، لذلك فتح الساندويتش خاصته يأخذ قضمة منها، وتكلم: «عن من تتحدثين؟».

بقيت تحدق به في صمت لدقيقة، ثم رطمت رأسه بالطاولة أمامهما تنطق بحنقٍ كبير بسبب بلادته: «أليس من الواضح عمَ اتحدث؟». رفع رأسه بألم رادًا بغيظ: «نعم ليس واضح، لن تموتي أن تحدثتي بالاسماء».

اتكأت على ظهر الكرسي لترتخي ملامحها: «أليكس». أخذ هيليا قضمة أخرى من الساندويتش ثم تكلم: «ما به؟».

بدأت تفهم لماذا أخبرتها والدتها بضرورة إيجاد أصدقاء من الفتيات، كايل قدم اقتراحات كارثية، أما هيليا فهو لا يقدم إقتراحات وشديد البلادة أصلًا، وضعت رأسها على الطاولة بأرهاق متمتمة: «ليعن الرب جوستين على هذا الشيء في رأسك». لا تفهم لمَ الحب متعب هكذا، أنه لا يجلب شعورًا كالفراشات بالمعدة كما الحال عندما تعجب بشخصٍ ما، فجأة يصبح تفكيرك متمحورًا حول شخصٍ واحد لا تستطيع رؤية نفسك بدونه، فجأة.

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن