من سيئ نحو الافظع

170 20 5
                                    


مرت عدة أسابيع أهمل فيها دراسته، وركزَ على النبش حول قضايا قديمة وبعض من المقالات الصحفية على الإنترنت في مواقعٍ مشبوهة ومن النادر إيجاد شيء مفيد، لم يفارق حاسوبه كثيرًا ولم يجد شيئًا مثيرًا للاهتمام، جميع القضايا كانت ضعيفة، حتى قضية الإعتداء التي قدمها المستشفى ضد والده، هو حرفيًا ربحها جميعًا.

جميعها لا تفيده وإن طلب من الذين رفعوها الشهادة في المحكمة نعه هم لن يصغوا إليه فجميع التواريخ مُترَبةَ قديمة، كما أنه لو ذهب لشخصٍ عشوائي وأخبره أنه يرغب في رفع قضية ضد رودريغو الذي يكون والده سيُبصَق في وجهه وهو لا يحتاج لهم آخر، فضلًا عن أن الأمر قد يصبح خطيرًا إذ وصل إلى معرفة والده دون نتائج.

لكن وسط تلك العشوائية قرأ شيئًا مثيرًا جذب انتباهه، هي قضية معينة رفعها شاب ضد رودريغو بتهمه الإعتداء على زوجته التي تعد موظفة لديه مما دفعها إلى الانتحار، خسر الشاب القضية والكثير من النقود لكنه أصر على فتح القضية من جديد، رغم أنها قد حُسِمت ولا يحق له بالقانون أن يفتح قضية مرى أخرى بما أن نتائج المحكمة واضحة، فلم يستطع رفعها في المرة الثانية.

أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع هيليا رؤية بعض الأمل من خلاله، يُدعى باريس آرسنت، الآن هو في نهاية أو منتصف الأربعينات، حفظ الصفحة لديه ثم أخذ يبحث عن معلومات أكثر عنه لكن لا نتائج، لا ذكر لاسمه في مكان سوى أخبار القضية القليلة أصلًا.

تنهد بضيق يتكئ برأسه على ظهر الكرسي مُغلقًا عينيه المرهقتين فإن كل شيء يصبح صعبًا عليه، لا يعرف من أين قد جلب ماتياس رقمه ولكنه تواصل معه قبل أسبوعين والتي تعد المرة الأولى والأخيرة، لكنه كان متضايقًا كثيرًا، غاضبًا بشدة على هيليا، يصرخ عليه ويصيح بأنه غير غاضب، ماتياس يريد رفع القضية بسرعة وهو يريد التمهل حتى يجلب ما يكفي من الدلائل، وهذا حقًا مُسبب كبير للتوتر له فهو لا يعرف ماتياس جيدًا.

بالكاد أخبره أهلًا، ثم قال له أن يحفظ رقمه واغلق الهاتف دون سماع رد من هيليا، لذلك حتمًا هو لا يستلطفه وفي هذه المرحلة أنه لا يطلب استلطاف أحد، أنه يريد النجاة حتى يتحقق مبتغاه على الأقل.

شعرَ بيدٍ دافئة ترفع شعره الذي استرسل على عينيه إلى الخلف فنظر إلى صاحب تلك اليد ذات التجاعيد البسيطة عليها لتقابل أعينه أعين كارلا، قبلته على جبينه وتحدثت واضعة بجانبه كأسًا من العصير: «ما بال بُني بوجهٍ عابس؟ اشتقت لابتسامته».

غير ملامحه إلى أخرى مبتشرة فارتفع ثغره في ضحكة صفراء خافتة يُقابل بها والدته: «أبنكِ يحتاج إلى سنين وسنون لمذاكرة امتحان الغد». ضربته بخفة على رأسه موبخة: «وما الذي كنت تفعله طول السنة؟». أجابها جالسًا باعتدال يطقطق أصابعه ببعضها: «هل تتخيلين إني لا أعرف؟».

لم تُبدي ملامحًا راضية عن قوله ذاك، فرغم كبر سنه إلا أنها لا تزال والدته وما يفعله سيئ جدًا بالنسبة لمستقبله خاصة أنه لم يبدأ مشروعًا خاصًا أو ما شابه، لا يمكنه أن يتحمل إيجار شقة ومعيشة شهر كامل براتبه البسيط.

جمرةٌ في الصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن