تزامن حديثه مع صوت إطلاق الألعاب النارية الكثيرة التي انعكس نورها على وجهِهما، ولم تتوقف تلك الألعاب لدقائق حلَّ الصمت فيها بينهما، كانت نظرة ماتياس الذي استمر بالتدخين محتضنًا السيجارة بين يديه مختلطة ما بين استغراب وحدة، لم يكن أمر راشيل سريًا يومًا ما، لكنه ليس شيئًا يتحدث به مع أي أحد.
أخذ نفسًا سريعًا من السيجارة ثم تحدث دون مبالاة لمكان نفث الدخان هذه المرة: «هل أنت معجب بها؟». لم يفهم هيليا كيف استنتج ماتياس الأمر وما هي طريقة نظره إليه، لكنه تكلم: «من كانت ليُعجَبَ بها؟». لا يبدو وكأن الآخر مهتم بحديثه وذلك ليس شيئًا يرغب به، كما أنه لا يود أن يأخذ الحديث مجرى سيئ يعطله عن أهدافه، فهو لا ينظر نحو ماتياس كشخصٍ فقط.
«كانت امرأة جميلة». ردَّ عليه، فتحدث مجددًا ولم يكن حديثهم يحوي على نوع من الرغبة في الاستمرار: «هل امتلكت علاقة جيدة معها؟».
لم يجبه مباشرة، بل بقي ينظر نحو الأسفل أثناء تدخينه بنظراتٍ فارغة لا معنى لها، وكأنه لا يرغب بالإجابة، رغم إجابته بسؤالٍ لا مبال: «إلى متى سيطول هذا الحديث؟». صمت هيليا دون إبداء ردة فعل.
ظلوا هكذا، هو يدخن والآخر يمسح يديه مع بعضهما لبرودة الطقس يراقبان تساقط الثلج الخفيف، حتى نظر ماتياس نحو هيليا الذي لم ينبه به، لا يفهم غرابة هذا الحوار.
«لماذا تسأل عنها؟». سأل ماتياس، وكأن هيليا لم يسمع شيئًا لم يتغير شيء في ملامحه ولا في زاوية نظره، ربما فقط رأرأة عينيه ازدادت، لكنه لم يلحظ ذلك.
أن لم يكن هذا الوقت، فلن يعطى فرصة بديلة، فتمتم متوقفًا عن مسح يديه بنبرة حملت كمًا كبيرًا من الفراغ: «أنها أمي».
بقيت شفتاه تحتضنان السيجارة دون إخراجها تلك الثوينات، لم يكن هناك مجالٌ الرضى بين ملامحه التي كانت عادية توًا، تلك الملامح التي انقلبت إلى أخرى لا نور في زواياها في غضون تلك الوهلة الطويلة التي مرت بلا حديث.
في وسطٍ من الصمت انتشل سيجارته يرميها ساحقًا إياها بقدمه يطفئها دون النظر إلى هيليا، وكل ما تطلبه الأمر هو ثويناتٌ أخرى لتعود ملامحه إلى الوضع الطبيعي كما الحال مع نبرة صوته التي تداخل أركانها بعض الحدة: «أنها صدفة جميلة، كونك أبنها». وانقطع الحوار بعد كلماته الغريبة.
«هل تظن أنك تستطيع الحصول على النقود بهذه الطريقة؟». تحدث قاصدًا الاستهزاء وفي غضب، فاتكأ هيليا بصمت على الجدار الخشبي خلفه بظهره، توقع جميع ردات الفعل التي يمكن أن يظهرها ماتياس وهذا الكلام ليس غريبًا عليه، وتكلم: «من الجيد في بعض الأحيان أن لا تملك نقودًا تقلق بشأنها». ثم مدَّ يده التي تحمل الملف.
لم يأخذ ماتياس الملف فورًا بل بقي ينظر إليه بخشونة يأخذه من يده بفضاضة لدرجة كادت أن تشق الورقة المهترئة نصفين، وبالرغم من كون طريقة التعامل قد أزعجته إلا أنه لم يوضح ذلك، فهو في أشد الحاجة لشخصٍ يدعمه، فصمت دون نظرات حتى مرت بعض الدقائق.
أنت تقرأ
جمرةٌ في الصدر
Teen Fiction«يُقالُ عنا إنا خُلِقنا كبشرٍ ناقصين لإيجاد نصفنا الآخر، لكن ماذا عن روحٍ قُسِمت لأجزاء؟». طالبٌ في جامعة مرموقة يأتي إليها الطلاب وفودًا من العالم، ابنٌ لرئيس شركة متوسطة النفوذ ذات ثروة لا يمكن أن يُقال عنها قليلة، خطيبٌ لفتاة جميلة، يملكُ اصدقاءً...