جلسَ مكتفًا يديه والانزعاج واضحٌ على محياه، وجنتاه ذابلتان، بل غير موجودتان، وأسفل عينيه منتفخٌ مسود لعدم أخذ كفايته من النوم، هل نام؟ نسي الأمر فلا يظن أن أحدًا يستطيع النوم في ذلك الجو القارس، نظر نحو ماتياس الواثق في جلسته الذي كان جانبه، لا يحضر ماتياس الجلسات عادة لأجل عدم التسبب في بلبلة بعد أن يدرك رودريغو أمره، لكن هذه المرة الأمر كان مختلفًا، أنه يتعلق بشقيقته، وما تبقى إلا دقائق قبل إعلان بدء الجلسة، فجميع من يجب عليهم الحضور موجودين في انتظار دخول القاضي فقط.
اغمض عينيه مميلًا برأسه قليلًا على كتفه، وعندما فتحهما قد توجه نظره إلى والده الذي كان بدوره ينظر نحوه، كل اللحظات التي قضاها معه بدأت بالتدفق إلى ذاكرته، وبشكلٍ مرير لم يكن إحداها جيد ما دفعه للتمني أنه لا يتذكر جيدًا رغم إدراكه الحقيقة، أشاح ببصره حتى لا يتوضح الضعف في موقفه.
دخل القاضي فوقف جميع الحضور، ثوانٍ حتى جلس الجميع بعد أن وصل إلى مقعده معلنًا بدء الجلسة متحدثًا ببضع كلمات، قضية هذه المحاكمة هي راشيل ڤيرد، طلب القاضي دخول الشاهد الباقي في هذه القضية التي مات كل الشهود فيها، كريستا آلاز.
تلك المرأة هي عجوزٌ كهل انحنى ظهرها ومسكت يدها المرتجفة برأس عكازة خشبية لتسند جسدها المرتعش، شعرها الأشيب الخفيف مربوط إلى الخلف، ورغم التجاعيد الواضحة على ثنايا وجهها إلا أن الحزم والشدة لم يحل عنه، لكن ليس بالإمكان إخفاء الضعف الشديد الذي لم يدل إلا على كونها في خاتمة العمر، هذه لا تحتاج إلى قتلٍ أو نحر، فالعمر وحده كفيل بفعل ذلك.
وقفت على منصة الشهود الخشبية التي كادت أن تكون أطول مما يمكنها من الوصول إليه، وثم بعد نوبة سعالٍ جاف قصيرة، بدأت التحدث: «ادعى كريستا آلاز يا سيدي المحترم، ممرضة متقاعدة منذ أربع عشرة سنة». اومأ القاضي بينما يقرأ الاوراق الطبية أمامه بتمعن وتكلم: «ما العلاقة التي تجمعك بالضحية؟». نظر إليها في نهاية كلامه، لتجيب: «الآنسة راشيل هي المرأة التي اعتنيت بها فترة الولادة وما قبلها بقليل حتى وفاتها، لا تجمعنا رابطة قرابة سيدي».
همهم بتفهم يترك الأوراق ثم تحدث: «أمتأكدة من كونك تتذكرينها؟». عبست ملامحها واكفهرت لتضرب العصا بالارضية الخشبية للمنصة: «ولِمَ لا اتذكر، حضرتك؟». نظف القاضي حنجرته ثم بدأ بطرح الاسئلة متجاهلًا الحوار السابق: «لِمَ تشهدين في هذه القضية مع علمك بالعقاب القانوني لصمتك على جريمة رغم مرور جيلٍ ونصف من الوقت؟». صمتت قليلًا، ثم ردت بصوتها المرتجف المبحوح عالي النبرة: «لن تفهم إلا بعد إنتهاء العمر بك هنا». أشارت إلى نفسها بالحديث.
«يمكنك الإدلاء بشهادتك».
كان هيليا يحدق بواتسون ومحامية والده، واتسون شديد الارتباك ويمسح العرق الذي يتكون حول رقبته وعلى جبينه بين الهنيهة والأخرى متحاشيًا النظر إلى الجهة التي تجلس بها تلك المرأة ورودريغو الذي كان معقفًا فكه بشدة، فهذا ليس أمرًا ضمن توقعاته.
أنت تقرأ
جمرةٌ في الصدر
Teen Fiction«يُقالُ عنا إنا خُلِقنا كبشرٍ ناقصين لإيجاد نصفنا الآخر، لكن ماذا عن روحٍ قُسِمت لأجزاء؟». طالبٌ في جامعة مرموقة يأتي إليها الطلاب وفودًا من العالم، ابنٌ لرئيس شركة متوسطة النفوذ ذات ثروة لا يمكن أن يُقال عنها قليلة، خطيبٌ لفتاة جميلة، يملكُ اصدقاءً...