الفصل الثاني والخمسين

37 4 9
                                    


علي العدوي

القاهرة 2008

لمزيدٍ من التقرب إلى "هنا" أدرجتُ أسمها من ضمن طلابي لهذا العام، فقد كانت تُبهج قلبي بابتسامتها المنيرة العفوية، ففي السابق إن ضحكتْ وتصادف ورأًتني كان يتهجم وجهها، وتنظر لي هازئة لا أعلم من أي شيء.

لم تبخل علىَّ "هنا" بالابتسامات؛ من بداية الدراسة تشاكس وتسأل عن مسودات، ولم نحصل بعد من الجامعة على الكتاب الدراسي، ولما انتهتْ أسئلتها، عادتْ للغو بين باقي الفتيات من زميلاتها في الصف، فقد استطاعت تكوين صداقات أخيراً مع دفعتها الجديدة.

كنت أكتب على السبورة مسألة جديدة، ولمَّا التفت للطلاب لبدء الشرح وجدتها لا تزال ترغي وتزبد في أذن زميلتها فناديتها:

- "هنا"؟

هبت بالوقوف فقلت مردفاً:

- القانون؟

قالت القانون فقلت متعجبًا:

- لحقتي تحفظيه أنا ظابط بقك في ودن اللي جانبك.

- أنا أسفه.

- على إيه؟

تأرجح بؤبؤيها الزرقاوين خجلاً ثم قالت:

- مش عارفه.

- طب اتفضلي أقعدي.

جلستْ "هنا" بينما التفتُ للسبورة مجددًا، فسمعتُ الضحكة التي لم أكن لأخطئها يوما فقلتُ:

- ضحكتك دي اللي بتخليني أجي الكليه النحس دي كل يوم.

ضحك طلابي جميعًا إثر كلماتي فيما عدا "هنا"، غرق وجهها في الخجل وحتى نهاية المحاضرة، والتي لم تكن طويلة مملة في بدايات الدراسة. خرج الطلاب وهي من بينهم إلا أنني استوقفها وطلبت منها الانتظار قليلاً.

لم تنتظر وحيدة، فقد كان في رفقتها زميل فاشل يدعى "عبد لله" يستغل نبوغها، لكي تساعده في اجتياز السنوات بلا عناء الحضور حتى، لأنه يعمل مصور فوتوغرافي ويسمي نفسه "بوده".

قلت موضحاً حاجتي إلى "هنا" منفردة:

- أنا قولت "هنا" مش "هنا" و ضِلها.

خرج "بوده" في امتعاض، ليحدث انفراد لم يتكرر مرة أخرى وحينها قلت:

- كبرتي دماغك من مسائل الاستكراشر والكويز وناويه تعتمدي على الفاينال؟

لم تجيبني أو تأسف كعادتها فنظرت لها متعجبًا وقلت:

- أنا بسألك يا "هنا"؟

- أصل مشغوله اليومين دول.

- في إيه؟

- حاجات كده.

سوء توقيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن