الفصل الثاني والستين

43 5 0
                                    


#سوء_توقيت

الفصل الثاني والستين

مالك مراد

كنت يائس للغاية منذ بدء تدافع الأحداث المأساوية، وأتيتُ لـ"هنا" وأنا على يقين أن كل ما في جعبتي من حجج بلا جدوى. أمي أخبرتني أن لا أذهب إلى "هنا" وأعود للمنزل وأدع جاد الحديث أن يكون للكبار، وأخبرتني كذلك أن أبي سوف يعرض عليهم مميزات لم تحصل عليها فتاة في القطر ولابد أن يوافقوا عليَّ كعريس أَمثل لابنتهم.

وافقتُ أمي على كل ما أشارتْ إليه، ولكن لم أستطع ضبط جموح نفسي التي كانت تتوق لرؤية "هنا" رؤى العين.

انتظرتُ دقائق معدودات كانت لي الدهر، بينما صديقتها تبرر لي عدم انتظامها على حضور المحاضرات بأن لديها شركة ناشئة صغيرة تعمل على الترويج الإلكتروني، وتناولني بطاقة ورقية تعريفية لشركتها إن ما احتجتُ لخدماتها.

تسحب البطاقة من بين أصابعي وتُخرج من حقيبتها المدرسية قلم، وتكتب في خلفية البطاقة رقم هاتفها الخاص، ثم تناولني البطاقة مرة أخرى وتقول:

- لو احتجت أي حاجة كلمني أي وقت.

أومأت بالموافقة فقالت:

- حُط الكارت في جيبك علشان ما يوقعش منك.

وضعته في الجيب الداخلي لسُترتي وقلت:

- المكتبة اللي بتصوروا فيها دي فين .. شكل هنا هتتأخر؟

- ولا هتتأخر ولا حاجة .. هي المنكوشة اللي جايه هناك دي.

نظرتُ للأمام فأيقنتُ أن قضيتي خاسرة من كل بد، ولابد أن أعود لأمي أجر أذيال الخيبة. تلك - المنكوشة – عادت لبعثرة شعرها لما تخلت عني كما تخلت عن نصح أمي؛ من شأن أن المرأة المهذبة لا بد أن يكون شعرها مصفف متساوي دوماً. لا تشبه جيجي حديد كما رجحت أمي، فقسماتها أجمع دقيقة منحوتة، بينما جيجي تلك لما طالعت صورها لأرى بها هنا، كنت أجد دوماً قسماتها منتفخة بلا أبعاد وحدود، ومساحيقها التجميلية كانت تُبدل خلقتها من بين كل صورة طالعتها، بينما هنا تحممت ونزلت من بيتها للتو في كامل جمالها وبراءتها، لها عيون غزلان واسعة زرقاء بلمعة السماء، طويلة القامة مرتكز ثلثي قامتها في ساقيها، قوامها ممشوق، لا يوجد بها شيء يطغو على الآخر، كلها معتدلة في كمال عجيب يثبت إنها مشعوذة.

أخبرتني مراراً أن شعرها ما يسيطر عليها وليس العكس، ولا يزال يسيطر عليها، فهو يعرقل خطاها كل ثانية، لما تجمع خصلاته المجعدة عن وجهها، وتعيدهم للخلف لترى وجهتها، فالرياح سريعة في هذا اليوم.

برتقالية اليوم، أياً مما ترتديه ينعكس على وجهها الممتعض من الرياح المحملة بالأتربة، القميص البرتقالي الفضفاض والسروال الرمادي تناقض صارخ يعبر عنها تماماً، وينبئ بجرأة متناهية وأظن علي الذهاب إلى أمي مرة ثانية، فتلك الفتاة لن تقبل بحلول وسطية لأنها كما قال عنها الجميع؛ لديها كل شيء، وما سوف أعرضه أو يعرضه غيري بلا قيمة لديها.

سوء توقيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن