الفصل الرابع والثلاثين

43 1 0
                                    

- [ مازن مصطفي ]

9555،ويل شاير بلوفار، بيفلرلي هيلز، بناية دوني بلازا، الطابق السابع والعشرون؛ هذا هو العنوان الجديد لمركز مالك لدعم المغتربين المصريين. استقليتُ برفقة صديقي عمرو تاكسي من أمام مطار لاكس والمرجح تكلفته ما بين خمسة وأربعون دولار، إلى خمسة وخمسون دولار طبقاً للزحام الشبه دائم بمدينة لوس أنجلوس.

لم ألتفتُ للحظة للعالم الجديد من حولي، لأني كل ما شغل خاطري حينها، عالمي الأول الذي تركه من خلفي ودموعه المتساقطة على وجنتيها لما ذهبتُ إليها، وودعتها من أسفل بلكونتها.

هذا اليوم خاصة كان من المفترض أن يكون أفضل يوم في حياتي، فقد تحقق به الحلم، ولكنه كان الأسوأ على الإطلاق، ظلت "هنا" حبيبتي معي في اتصال مطول، منذ العاشرة مساءً وحتى الواحدة صباحاً لا أسمع غير نشيجها وتوسلاتها إلي بأن أعود إليها وألا تنسينّي جميلات الغرب وجهها البريء.

انتهى الاتصال قهراً بركوبي الطائرة وترك هناي وحيدة حتى الآن في بلكونتها، في انتظار رؤية طائرتي المغادرة لأمريكا بسماء التجمع الخامس. حاولت أن أفهمها مراراً أن ما تراه من بلكونتها الطائرات الهابطة على المطار، ولذلك تحلق في السماء بعلو منخفض، ولذلك تستطيع رؤيتها بينما الصاعدة للسماء لن تراها وعليها النوم، ولكن لم تصدقني رغم أنها المهندسة وأنا الطيار.

بأي حال سوف ترى طائرة ما وتودعها ومن ثم تخلد للنوم وحينها تنهي نوبة البكاء.

عمرو صديقي يهنئني لأني استطعت إسقاط ابنة اللواء جلال في غرامي بعدما كُشف الغطاء من خلال مكالمتها المتكررة إلي، يستودعني التوصيات لدى اللواء جلال عند عودتنا من البعثة، والتزوج من "نوننا" ومن ثم سكنة قصور التجمعات برفقتها.

نظرتُ له مستنكراً لقب "نوننا" من أحداً غيري، وحينها لاذ عمرو بالصمت وحتى وصلنا لحى ممتلئ بالأشجار، على جانبيه، وبمنتصفه، وأحيانًا من أعلى التلال. بنايات شاهقة، وأخرى متوسطة، وحتى وصلنا إلى بناية يصل ارتفاعها، لثلاثين طابق من فوق سطح الأرض توقف أمامها التاكسي وترجل السائق منه لينزل أمتعتنا بلا أدنى إشارة منه للإيضاح، وحينها علمنا يقيناً أننا وصلنا لوجهتنا.

دلفنا سويًا من البوابة الزجاجية الإلكترونية، ذي الضفتين وقد كانت أول من رحب بنا في أمريكا حين فتحت تلقائياً، جاء صوت نسائي من البوابة الزجاجية يطلب التعريف عن نفسينا وحينها نظرتُ لعمرو وطلبتُ منه ما تطلبه سيدة الباب الزجاجي، فناولني عمرو على الفور نظرة بلهاء، وقد قرر أن لا يستمع لنساء.

أكملنا خطانا على الأرضية اللامعة الملساء من اللون البني المموج ما بين اللون البيج والأسود، ومن ثم مدخل البناية. المدخل بمساحة شقتنا تقريباً، حيث يقارب السبعون متر مربع، وقد بُطنت حوائطه بمستطيلات طولية تباعاً من الخشب العسلي والباقي بالرخام البني، بالسقف عدة ثريات ضخمة مستطيليه الزوايا، من اللون الذهبي، وبالجانب مجلس مكون من أربعة كراسي خشبية منتفخة باللون العسلي مبطنة بالأسود الحريري اللامع.

سوء توقيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن