الفصل الثامن والستين

38 5 2
                                    


مالك مراد

من رؤيتي لِما يحدث اليوم أرى إنني كنت أمام دجال تافه، لو أحد نال من العلم أدناه لعلم أنه محرك عرائس ماريونت فحسب، أو ببساطة وكما قال الدجال ذاته تماماً عما قليل، أنه يهيأ لك ما جابت به الشياطين على عقلك، وشياطين أمي سهل التنبؤ بأفعالها.

تركت وجيه المستمتع بحواره الشيق مع الدجال، على النقيض من الدجال نفسه والذي بدأ يتأفف ملول، وينظر لوجيه وكأنه يقول له متى سوف يفض فوك.

خرجتُ من القبر والمقبرة لاحظت شيء غريب؛ باقي عملاء الدجال غادروا والمكان أمسى فارغ تماماً إلا منا بالطبع، إلا إنني لم أتوقع الأسوأ، فقد يكون الدجال خصنا بيومه بالكامل لأنه لن يجد حمار غيري يدفع أربعون ألف من الجنيهات لفك عمل سفلي.

ذهبت للسيارة وأخرجت الدثار من حقيبة السيارة مقهوراً مجبراً، وكلي متوجس خيفة من القادم، من داخلي شيء يُلح علي بالذهاب وترك وجيه للدجال قربان، ثم أعود وأتذكر "ملك" المربية التي أخبرتني أن الستر الذي غلّف حياة اللواء لسنوات وكلفه من وقته وصحته هو وولداه أضعته أنا بلحظة، أو أمي بالطبع.

عدتُ بالدثار للوغد فالتمعت عينيه وكأني أتيتُ له بالفوز العظيم، والخوف الذي احتل قلبي تعاظم، ولكن عزاءي الوحيد وجودي ووجود وجيه في المعادلة، فلن يفعل الدجال شيء ضد إرادتنا على أقل تقدير كما كنت واهم.

سارع نحوي الدجال وأمسك بالحقيبة وأخرج منها الدثار الرائع من غزل "نانا" كنت أدللها "نانا بانانا" في أول الأمر إنما لم تستسيغه فاختصرته لـ"نانا" فحسب فلم تعد تمانع.

نال الدثار رضاء وجيه أيضاً، فقد رأيته يتفحصه في تعجب بعينيه، ثم قام إلي وهمس في أذني بينما كان الدجال منشغل في الدثار وكأنه يبحث بين خيوطه عن شيء:

- عملالك بطانية زي كده بإيديها و مفيش بينكوا حاجة يا مالك؟

- أنا ما شفتهاش في حياتي غير مرتين .. مرة في جامعتها و مرة في بيت أبوها .. هي اللي عندها أخلاق .. كريمة عملتي أربعة شاي لما روحت عندهم.

نظر لي في انتقاص وقال متعجباً:

- إنت ما بتحبش شاي!

ثم دقق في أكثر وتفحصني عن كثب وهو يردف:

- ما لك هتخرب الدنيا علشانها ليه مع أنها ولا ذوقك ولا سكتك ولا بتشرب شاي؟!

- بحبها.

سخر مني وهو يقلد نبرة صوتي:

- بعبها.

وجعلنا نراقب راشد وهو يجول في القبر ويجمع أشياء من هنا وهناك ويضعها أمامنا، كانت أغلبها آنية من شتى الطوائف، بلاستيكية ونحاسية مغطاة بأغطية ليست لها لأنها من الجلد ذا الشعر الكثيف وكأنه سلخ عن الماعز.

سوء توقيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن