الفصل الحادي والثلاثين

47 3 22
                                    

مالك مراد.

لم يكن المقدم فقط من ذهل لهذا القرار، فـأمجد وبيل أيضا حدجاني باستنكار لأعيد ما قلت فأثرتُ الصمت أما المقدم تفحصني بازدراء من أعلى لأسفل وخرج قبل أن يرديني قتيلًا.

ما فعلته خيانة لقوانين السرب فالخروج من السرب عبر الموت أو إنهاء التعاقد لأجل غير مسمى والعودة لوطنك ولكن العمل كعميل أمريكي خيانة للوطن قبل السرب.

لم أكن لأفعل ما قلته للمقدم فبعد ثلاثة أيام فقط كانت لتخرج حبيبتي من سجنها بالوطن, وفي الرابعة عصرا تكون على متن طائرة بطريقها للوس أنجلوس رأسا ليكون باستقبالها كريم ولكن سوء التوقيت أبدل الخطط.

ضُربت القاعدة العسكرية فجر اليوم التالي من الناحية الجنوبية، وتلك نفس الناحية التي تكمن بها المخيمات, فقد تحصن الإرهابيون بالمخيمات ظننُا منهم أن قائد الحملة لن يرد على نيرانهم الكثيفة إلا أنه رد وبقوة حاصدا أكثر من نصف سكان المخيمات والحراسة التي تحرس المخيمات من جنود أمريكيين وبالطبع الإرهابيين.

لما ذهبت لتفقد الحادث وجدت حراستي لم تعد لوجوههم أو لأجسادهم معالم فالنابلم أذابهم, من أحببتها كانت مقرفصة في ذعر بركن من عشتها الصفيحية ومن حولها العديد من الأطفال, تحاوطهم بذراعيها وإن لم يحجبا عنهم الرصاص الثقيل الذي اخترق العشش الصفيحية وأجسادهم.

الأسود الذي غلفها منذ رأيتها لم يشف دمائها الطاهرة, على وسادتها مصحف المقدم ملطخ بدماء أطفالها ودمائها. قد تكون مضت مائة عام خرج بها فارس مغوار غيري يقتل كل أمريكا دخل العراق بينما كنتُ ثابت واقفًا على برك الدماء الداكنة, مشدوهاً بأخر اللحظات معها وحتى دخل إحدى عشر رجل يحثوني في شفقة على الخروج من العشة الصفيحية إنما لم يفلح حديثهم.

لكم كنت ضعيف كما وصفني كل من عرفني تمام المعرفة, فلم أقوى على حملها أو فض جلسة الصغار من حولها وراقبتُ بيل يفض جلسة من كانوا صغارًا ومن كانت حبيبتي, يرفع ذو الثامنة ويناوله لأمجد فيخرج به الثاني من الخيمة ثم يعود الأول ويرفع ذو السادسة فتسقط ضفائرها المغمسة بالدماء للخلف وتحل عن رأسها المنفجر وتسقط أرضًا وحينها نائت الأرض بقدمي أمجد وكاد أن يهوى من هول ما رأى.

أمست ماجدة وحيدة الآن إلا مني، على جلستها القرفصاء المتيبسة, لا تطلب مني لقاء أو كلمة حب ولن تطلب من جديد. توجهت إلى ضربة بكتفي تدفعني تجاها ولكني أسارع للخلف وأعاود الجمود، كان بيل يصرخ بي لأقوم بحمل حبيبتي وإخراجها مع باقي الجثث.

يأس مني بيل وصاح بي إنما متأخرا فقد وجب علي أن أخرج بها على قيد الحياة من الجحيم قبل اشتعاله, -لا أمل بك- رددها بيل بسقم وأنهار الدمع تتساقط عن عينيه ورغم ذلك خرج بها من العشة لتنضم لباقي صف القتلى.

سوء توقيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن