العاشر ♡ حب في الحرب ♡ صابرين شعبان

909 54 7
                                    

الفصل العاشر

ساعد والدته و أحلام على الهبوط من السيارة ثم أغلق بابها ووقف يتطلع ثلاثتهم للمنزل الكبير المهمل كان من طابق واحد من الحجارة له عدة درجات قبل الوصول لبابه الخشب الكبير، يحيط به عدة أمتار من كل جانب بها أعشاب يابسة و شجرتين كبيرتين من التوت و على أحد جوانب المنزل تتسلق عنبة لتتخذ من حائط المنزل مستقر لها لتنمو، يحيط به صور قصير من الخشب ينتهي بباب قصير مماثل لايمنع أي لص من دخول المكان و لكن يبعد المتطفلين على الأقل، نظر ليث لوالدته ليجدها دامعة العنين و كأنها تنظر لسنوات عمرها الضائعة، هل تشعر بالندم كونها لم تعود؟، مدت يدها بمفتاح قديم لليث دون كلمة فأخذه منها و هو يظن أنه لن يفتح و مؤكد والده قام بتغير رتاجه بعد ذهابها، دفع ليث الباب الخشب الصغير الذي يغلق المكان و صعد الدرجات القليلة قبل أن يقف أمام الباب و يضع المفتاح بالباب ليديره عدة مرات و هو يدفع الباب الذي أصدر صوت مزعج، لا يريد أن يفكر في مشاعره الأن، ليقوم بالتركيز على والدته و مشاعرها لعودتها لمنزلها بعد كل هذا الوقت، التفت إليها ليمد يده لتأتي فأمسكت بيدها أحلام تساعدها على التقدم، كانت عيونها غائمة و بالكاد ترى أمامها لتخطو داخل الردهة الواسعة تلتفت حولها، كل شيء كما تركته لم يغير شيء حتى تلك المزهرية المحطمة العنق و التي تستقر في منتصف طاولة مذهبة بساقين رفيعتين طويلتين موضوعة في ركن الغرفة أسفل لوحة لطيور تطير فوق حقل من دوار الشمس، مدت يدها لتلمس المزهرية برقة كأنها تلمس بها ذلك العمر الراحل و قد شاخ و تخشى عليه من التحطم، لا تريد أن تظن أن زوجها عاش بعد ذهابها يفكر بها حتى بعد زواجه من أخرى و إنجابه منها.. " أمي "
انتشلها صوت ابنها ليخرجها من ذكرياتها " أنا بخير بني لا تقلق "
" المنزل مترب و ليس نظيف أمي لنذهب لفندق أفضل من هنا "
" أنه منزلك ليث و أي كان وضعه فهو أفضل من أي مكان أخر "
" حسنا أمي كما تريدين و لكن لن أسمح لك أو لأحلام برفع أصبعكم به، سأحضر فتاة تقوم على تنظيفه "
" لا بأس بني، هيا أذهب لتجلب الحقائب من السيارة "
فقد أصرت على جلب حاجياتها و أحلام لتخبره أنها لن تعود و ستظل هنا، أي كان الوقت الذي يريد به العودة للمدينة هى ستظل هنا، ذهب ليحضر الحقائب فقالت حبيبة لأحلام " هيا لنرى كيف هو المطبخ فلن ننتظر حتى يجلب أحد لتنظيفه فأنا أريد أن أكل "
ذهبت معها أحلام و هى تعلم أنه مجرد وقت قبل أن تنفجر حبيبة و هى ترى المنزل الذي هربت منه خائفة بعد كل هذه السنوات، تجولت بالمطبخ لترى كل غرض قد أشترته بيديها أو وضعته بمكانه كما هو، الخزانة البنية المعلقة و الطاولة الصغيرة ذات المقعد الواحد الذي كانت تعد عليها الطعام في انتظار عودته الموقد بسطحه الأبيض و إن كان الزمن و يد الإهمال طالته، و لكنه كما هو بعيونه المتهالكة من كثرة الاستعمال، مدت يدها أشعلت شعلته لتتوهج النار الزرقاء لتتراجع للخلف و كأنها أحرقتها، قالت أحلام و هى تمسك بيدها لتخرجها قائلة " لم لا تجلسي أنتِ بالخارج و أنا سأرى ما يمكن عمله هنا و جيد أن الموقد به غاز للطهو "
لم تعترض حبيبة لتخرج معها و هى تشعر أنها قد شاخت و لديها مائة عام، قالت بوهن و هى تشعر أنها محطمة عاطفياً " نعم معك حق، سأجلس قليلاً و سأتي لمساعدتك "
كان ليث بالخارج قد وضع حقائبهم في الردهة ليقول بهدوء " هل تخترن غرف لكن لأضع بها الحقائب "
" دعهم هنا الأن بني لتستريح حبيبة و بعدها نرى ماذا سنفعل "
" حسنا خالتي سأذهب لشراء بعض الطعام "
سمع طرق على الباب فتعجب و شعر بالدهشة " هل يعلم أحد بوجودنا هنا "
قالت والدته بهدوء " أنها نبيلة تعلم أني سأتي لهنا "
زم ليث شفتيه بضيق، لم أخبرتها والدته لم يكن يريد لأحد أن يعرف بمجيئهم الأن لحين يستعد لمقابلة العائلة التي نبذت والدته، ذهب ليفتح الباب ليجد شاب في مثل عمره أو أقل بسنوات يمسك بصندوق كبير من الكرتون و يبدو أنه ثقيل عليه يقف خلف امرأة متشحة بالسواد لم يظهر غير وجهها الأبيض الذي ظهر عليه عوامل العمر بظهور بعض التجاعيد على وجهها. كانت تنظر إليه بعدم تصديق و عيناها تمر على هامته الطويلة ببذلته الأنيقة و شعره المصفف بعناية لتهرب منه بعض الخصل لتسقط على جبينه العريض تعطيه مظهر عابث رغم وقوفه الوقور همست بعيون دامعة و دهشة " يعقوب " جاء صوت حبيبة من خلفها قائلاً " أدخلي يا نعمات لم الوقوف بالخارج "
قال الشاب خلفها " السيد لم يسمح لنا و هو يفحصنا كما لو كنا لصوص "
" و هل هناك لص يطرق الباب بني "
دخلت نعمات لتنظر لحبيبة بألم " لقد ارتكبت ذنب كبير حبيبة لا أظن أني سأسامحك عليه "
" أجلسي يا نعمات لتلتقطي أنفاسك و بعد قولي ما تريدينه "
بكت نعمات بحرقة و هى تقول لها بغضب " أيتها الغبية الحقودة مهما فعلت لن أسامحك "
قال بعصبية لهذه السيدة التي تسب والدته بغضب و هو لا يعرف من هى نعمات تلك و قد قالت نبيلة " سيدتي لا أحد هنا يطلب منكِ أن "
قاطعته حبيبة بحزم " ليث أخفض صوتك عندما تتحدث مع عمتك "
نظر إليها بضيق هو لا يهتم إن كانت عمته أو ملكة الجان جاء ليستعيد حقه و حق والدته و يرد لها كرامتها و يذهب من هنا لا يريد حتى رؤية أحد منهم أو التعرف عليه، قال براء بملل " يدي تخدرت عمتي نعمات هل أضع هذا الصندق هنا أم أذهب به مجدداً و قد كان استقبالهم حافل لنا "
سألت حبيبة " و من أنت أيها الوقح، حسام أم حازم "
ضحكت نعمات " هذا المجرم هو براء أصغرهم "
" و هناك أيضاً بوران متزوجة و تعيش بالخارج "
" لدي نبيلة عائلة كبيرة إذا "
" لو ظللت لكان لك مثلها "
قالت نعمات بعتاب، أشاحت حبيبة بيدها " لن أتحدث بالماضي يا نعمات ما جئت لهذا "
" أين أضع الصندوق عمتي " سأل براء مرة أخرى بحنق لتقول له عمته " أدخلها للمطبخ يا عديم الصبر "
قالت أحلام لبراء " تعالى معي بني لأخبرك أين "
ذهب معها براء لتعود نعمات لتلتفت لليث تتفحص وجهه الجامد " لديك ولد عاق حبيبة فرغم علمه بأني عمته لم يلقي على التحية للأن "
حدق بها ليث بحدة و لكنه لم يعلق بكلمة حتى لا يغضب والدته فهو لا يريد أن يرى أي منهم، نظرت لقبضته المنقبضة لتضيف بسخرية " و لكنه أخذ جينات رجال العائلة و هو الكبرياء بغباء "
" ألتمسي له العذر نعمات فهو للأن لم يتقبل رغبتي بالعودة لهنا لأظل "
" و هذا يدعوني للتساؤل يا حبيبة لم عدت و الأن "
قالت حبيبة بهدوء " أظن أنك أحضرت معك بعض الموؤن جيد فنحن للتو كنا سنبحث عن مكان نشتري منه بعض الحاجيات "
" نبيلة أرسلت لكم بعض الطعام الجاهز و بعض الأشياء الضرورية "
طرق أخر على الباب لتلتفت نعمات قائلة " أنها أفكار جاءت لتساعد بتنظيف المنزل، تعالي أفكار "
دخلت صبية شابة في السابعة عشر تقريبا تقول " ماذا تريدين مني فعله عمتي "
" أذهبي لغرف النوم يا ابنتي و قومي بتنظيفها و أنا سأفعل هنا "
" لا تفعلي شيء يا نعمات فقط أجلسي و أخبريني كيف الجميع "
كان متضايق و هو ينظر لوالدته و كأنها جاءت من رحلة سفر و متلهفة لتعلم أخبار الجميع و لم تكن هاربة منبوذة متهمة بشرفها منهم، هؤلاء الذين تسأل عنهم، سمع عمتها تسالها بلهفة " بل ليس قبل أن أسمع أخبارك أنتِ أولا "
خرج براء يمسك بيده رغيف من الخبز يتساقط منه صوص الطماطم يتناوله بجوع لتزجره عمته قائلة " أيها الأحمق ألا صبر لديك "
" عمتي لدي عمل كثير في الأرض و لن أنتظر انتهاء ثرثرتكم لتطعموني، ها قد أوصلتك أراكم فيما بعد و بالمناسبة " وجهة حديثه لليث الواقف بجمود " أنا براء حمدان ابن عمك و أخبرك أن لك أخت حمقاء فعلت للعائلة الكثير من المشاكل و تريد رؤيتك عند مجيئك فهل أخبرها أنك هنا أم أتركها مفاجأة منك " سخر براء و هو يرى ملامحه تتحول للعبوس غير متقبل مزاحه، قال لعمته نعمات " مبارك عليك ابن شقيقك العبوس عمتي نعمات غداً عند معرفته بشكل جيد ستقولين ليس لي أولاد أخ غير براء ابن حمدان " ضحكت حبيبة بقوة و نعمات تزجره قائلة
" أذهب أيها الأحمق الفاسد، أي أحد أفضل منك أيها المجرم "
ضحك براء و تحرك ليخرج مودعا " سلام أيها الأنيق "
"سأسير قليلاً أمي"
لم يعطيها فرصة لتوافق أو ترفض ليخرج ليث من المنزل شاعرا بالاختناق.. فلم يأتي لهذا أبداً

  الزواج  تأديب و تهذيب و إصلاح    ( جميع الاجزاء  في نفس القصة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن