رقائِق متوهِّجة

46.1K 2.7K 8.2K
                                    


𓆩𔓘𓆪

هدُوءٌ مَا يُغلِّفني أنَا وَ ذلكَ السّاكن بجانبِي. 

هُو يقودُ بسلاسَة وَ خفّة أسفلَ سماءِ انجلترَا المتصبِّغة بألوانِ الرَّحيل. 

كغروبِ جدِّي..

لَم يكُن عقلِي يعزِف أفكارًا تُعكِّر صفوَ دواخلِي، إنَّما سلامٌ مرِيب لوهلَة، أعيرُ الطَّريق وجهِي ليكونَ بينَ يدَي نسيمِ المَساء. 

لكِن هدوءُ آيدِن يثيرُ ارتباكِي، بعدَ إخراجِه لتلكَ الكلمَة، هُو سارَع بالإبتعادِ بخطواتٍ كبيرَة نحوَ السيّارة دونَ أَن يَسمح لشفتَيه بتهريبِ كلمةٍ أخرَى.

كمَا أنّ خشبَ الصَّندل يلتفُّ حولِي إثرَ معطفِه الذِي وَ لسببٍ مَا لَم أبعِده مِن فوقِ رأسِي. 

وَ لسببٍ أغرَب آيدِن لَم يقُم بأخذِه منِّي وَ إغاظتِي بأنّ تنظيفَه بالموَاد الكيميائِية لَن يكونَ كفيلًا بجعلِه يعيدُه لخزانتِه، بَل سيُحرقه ليتخلَّص مِن جراثيمِي التِي علِقت بالمعطَف. 

أجَلبنِي قصرًا علَى كتفِه وَ المارّة يوجِّهون نحونَا نظراتِ الإرتيَاب فقَط ليأخذنِي نحوَ محطّة القطَار؟ 

فقَط ليسدَد صفعةً لِي تنتشلنِي مِن تلكَ الرِّمال السّوداء المتحركَة التِي كَانت تحاوِل سحبِي نحوَ باطنِ الأرض؟ 

لكِن كَيف؟ 

كَيف علِم بأنَّ جلبِي لهنَاك سيوقظُ مشاعِر كَانت نائمَة فِي داخلِي؟ 

سيُجسِّد لِي صورَة جدِّي وَ هُو يحمِل حقائبَه ملوحًا لِي، يخبرنِي أنّه سيكونُ بإنتظارِي عندَ آخرِ محطّة..

مَن هُو؟ 

مَن يكونُ آيدِن هارِيس؟ 

"لَو أنّ هناكَ جهازٌ مَا يسجِّل المشهدَ صوتًا وَ صورَة، كنتُ سأمضِي وقتنَا فِي القِطار وَ أنَا أقومُ بتصويركِ وَ أنتِ تبكِين كطفلةٍ صغِيرة سُرقت حلواهَا منهَا، هَل آخذُ أميرتِي البكّاءة نحوَ متجرِ الحلويَات؟" 

دحرجتُ مقلتَاي لسخريتِه رغمَ غرابةِ الموقِف.

يبقَى آيدِن وَغد هارِيس مهمَا تفرَّعت جوانبُ شخصيتِه، لكننِي فضَّلت تجاهُله أتأمَّل سلسلةَ الأشجَار أمامِي، لتأتينِي نبرَة متلاعِبة ينوِي إغاظتِي عبرهَا 

"هَل تحبِّين معاطفِي إلَى هذَا الحَد يَا أورورَا؟ أيَّا تَكن أسبابكِ تحتَ مسمَّى عالمكِ الوردِي، معاطفِي كلّها لَك"

"توقَّف عَن معاملتِي كطفلَة! إِن كانَ لديكَ فيضٌ مِن مشاعرِ الأبوَّة المبكِّرة فاذهَب وَ احصُل علَى ابنَة، رغمَ أننِي سأبكِي أسفًا عليهَا لأنَّها ستكونُ تحتَ رحمةِ مُعتلِّ مثلَك!"

توقَّفنا أمامَ الإشارَة الحمرَاء لأستشعرَ تحديقاتِه نحوِي، وَ كأنَّه يدعُو عينَاي لتتدحرجَا نحوَه طوعًا دونَ إذنٍ منِّي، لأشهدَ علَى ابتسامَة طائشَة مِنه حتّى انبثاقِ نابِه. 

أتاراكسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن