((١))

691 57 185
                                    


في  احد  الجبال الوعرة، حيث تعشش الصقور وتتردد أصداء الرياح بين الصخور الشاهقة، يقع كهف منعزل، كان بمثابة ملاذ مؤقت لافتاتين  قويتين كصلابة الجبال المحيطة بهما.

داخل الكهف المظلم، الذي تشتعل فيه النار 

، جلست الشيهانة، شامخة كاسمها، تراقب  أختها الوضحة بقلق واضح ارتسم على ملامحها الحادة. كانت نظراتها الثاقبة تخفي وراءها قلقًا عميقًا.

"علامك جيتي من بدري في مره بالوادي؟" سألت الشيهانة بصوتها العميق الذي يحمل نبرة قلق مكتوم.
أجابت الوضحة، وعيناها السوداوان تلمعان بجدية: "أيوه يا أختي، مسافة نصف ساعة بالكثير ويكونوا يم الكهف." كانت كلماتها تحمل إحساسًا بالضرورة الملحة، وكأن الوقت يداهمهما.

نهضت الشيهانة على الفور، تصميمًا قويًا يرتسم على وجهها. "الآن أروح أجهز البواريد."
تحركت بخفة ورشاقة، وكأنها جزء من المكان، ارتدت ملابسها الرجالية العملية التي تخفي أنوثتها وتمنحها حرية الحركة. أخرجت بندقيتها المصقولة بعناية، ثم تناولت بندقية الوضحة الأخرى، تفحصتهما ببراعة المقاتل المتمرس.

تقدمت الوضحة بخطوات واثقة نحو فتحة الكهف، نظرة ثابتة تتجاوز الأفق البعيد. أمسكت ببندقيتها بيديها القويتين، ثم قفزت برشاقة لتمتطي ظهر فارسها الأصيل، "الرعد"، الذي كان ينتظرها بصهيل خافت وكأنه يفهم المهمة الملقاة على عاتقه. انطلق الفارس كالبرق الخاطف، يحمل على متنه فارسة لا تقل عنه قوة وعزيمة.
وقفت الشيهانة على حافة الكهف، أطلقت صفيرًا حادًا اخترق سكون الجبال. استجاب له على الفور حصانها الأسود الجامح، الذي اندفع نحوها بخطوات واسعة وثابتة. قفزت الشيهانة بمهارة على ظهره، وكأنها وُلدت على صهوته، ثم انطلقت بسرعة البرق خلف أختها، تاركة وراءها صدى حوافر الخيل يتردد في الوادي.

لحقت الشيهانة بالوضحة، التي أبطأت من سرعة جوادها قليلاً لتتمكن أختها من اللحاق بها. توقفتا للحظة عند مفترق طرق وعر.
"وكاد أنهم الآن في بداية طريق وادي الأشباح،" قالت الوضحة بصوت جهوري يخفي توترًا داخليًا. كانت تعرف طبيعة هذا الوادي الموحش وسمعته المخيفة.
عدلت الشيهانة لثامها الذي يخفي جزءًا من وجهها، وعيناها تتمعنان المكان بحذر. "نروح نسقي الفرس يم الغدير حق قبيلة الشيخ نادر، ووقت رجعتنا يكونوا قربوا." كانت تخطط بخبث ودهاء، تستغل معرفتها بتضاريس المنطقة.
انطلقتا بفرسيهما نحو الغدير المتلألئ تحت أشعة الشمس الحارقة. وبينما كانتا تقتربان، تبدت لهما صورة هادئة لبنات القبيلة وهن يملأن جرارهن بالماء، ضاحكات ومستبشرات.
نزلت الفتاتان عن فرسيهما، تراقبن المشهد بصمت. فجأة، اقتربت منهن فتاة ذات عينين واسعتين وشعر أسود فاحم، تحمل ملامح العزة والكبرياء. كانت الجمرة، ابنة شيخ القبيلة.
"يا حيا الله بمن لفا ديرتنا، اقلطوا في مضافة الشيخ،" قالت الجمرة بترحيب حار يعكس كرم الضيافة الأصيل

شبه القمر لفا ديرتنا((جاري التعديل)) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن