الفصل الثالث

66 3 0
                                    

قدح قهوة يليه آخر ودقائق تمر بطيئة مملة ولكنه ابتلع لهفته وقاتل شوقه لها،شعر بالجدران الحجرية تطبق على أنفاسه وكأنها تدفعه دفعاً ليغادر المطعم الصغير البدوي،حاول إلهاء عقله وقلبه فدفع بعينيه لتتفحص المكان من حوله،وسائد مزركشة بألوان صريحة تراصت من حوله وأمامه طاولة صغيرة بأرجل قصيرة تقترب من الأرض،الأضواء تنبعث من مصابيح خافتة على هيئة قناديل أثرية والأرضيات من الخشب المصقول،حتى مذاق القهوة له طابع خاص في ذلك القدح من الفخار،أقترب صاحب المطعم المصري يرحب به بحفاوة فبادله إبتسامة مغتصبة مجاملة وهو يتخيل لو كانت معه الآن لتناقشا وتجادلا،ولم يتوقفا عن الحديث بشتى الموضوعات وأهمها دائماً عمله وأخبار الحارة التي تقتنصها من صديقاتها،بدونها هو وحيد رغم أنها تقيم معه أسفل سقف واحد لا يفرقهما سوى جدار،كل أصدقائه لا يعوضون وحدته بدونها،حينما فقدها أدرك كم كانت تعني له،كانت صديقته من قبل حتى أن تكون حبيبته أو زوجته،لا صديق سواها يستمع له بلا كلل أو ملل حتى لو كرر مزحته ألف مرة كانت دائماً ما تضحك عليها،إذا قص عليها ذكرياتهما التي تحفظها عن ظهر قلب كانت تستمع له وكأنها المرة الأولى التي تسمعها بها،ليتها فقط تعود سلمى التي عرفها منذ طفولته،فتلك البرودة والجفاء لا تليق بها ورغم حرارة الطقس الشديدة إلا أنه يشعر بتلك البرودة تنخر بروحه.

نظر بساعة معصمه للمرة العاشرة خلال نصف ساعة،ينتظر اتصالها ونبرة اللهفة بصوتها،انتظرها يائساً أن تخبره عن قلقها من تأخره عن موعد عودته من العمل ولكن مضت ساعتين ولم تهتم،لم ترسل حتى رسالة،لقد نفذ صبره وسأم من البقاء بالمطعم وهى خالفت توقعاته ولم تتصل فلما بقاؤه.

غادر المطعم مستقلاً سيارته واتجه نحو منزله تسبقه نبضات قلبه التي اشتاقت لها ويستعر الغضب من زاوية بعقله لإهمالها له،بالبدء تخيل أنها ستراقبه،ستحرم عليه الإمساك بهاتفه،ستحاصره وكان على إستعداد تام لهذا،لكنها فاجأته بإهمالها ولا مبالاتها،لا تهتم كم من الوقت يبقى مسمراً عينيه بتعمد على الهاتف ليثير غضبها،فالغضب أفضل من تلك الحالة من الإقصاء التي تجبره على العيش بها.

"ماذا تفعلين؟"

وجدها تجلس خلف طاولة الطعام وأمامها العديد من الكتب،مستغرقة تماماً بما تفعله وكأنها لم تشعر بقدومه أو ربما لم تهتم لقدومه،بالكاد رفعت رأسها تنظر نحوه حينما سمعت صوته ثم عاودت النظر بكتبها ملقية كلمة واحدة وكأنها تختصر كل ما يمكن أن يقال بينهما.

"أذاكر"

وقف متردداً لا يعرف ما الذي يجب أن يقوله أو يفعله،يفتقدها بجنون،يشتاق لها إلى الحد الذي يجعله يرغب في أن يركع أمامها ويتوسل مغفرتها.

"يمكنني مساعدتك بالمذاكرة إذا كنت ترغبين"

"صديقة لي بمجموعة مغتربات أستاذ مساعد بالكلية وتساعدني أسبوعياً بشرح ما يستعصى عليّ،شكراً لك"

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن