جلس يتناول عشائه برضا فعمله بتطور مستمر حتى انه يفكر بشراء مكينة ثالثة لمصنعه الصغير حتى يستطيع مواكبة الطلبات التي تتدفق عليه خاصة بعد رفع الضرائب الأخير على الواردات البلاستيكية من الخارج فلجأ التجار للصناعة المحلية،ربما بادرة نور صغيرة وسط الليل الحالك للظروف الإقتصادية التي تسود،ولكنها تبقى بادرة ضوء تبعث على الأمل،إنه حتى يفكر بشراء المكينة جديدة هذه المرة وليست مستعملة حتى تكون بكامل قوتها وتعمل ثلاثة ورديات فهو الآن لديه عشرة شباب صغار من البلدة يعملون معه ويريد التوسع أكثر من ذلك.
أمعن قليلاً بالتفكير مواصلاً إبتلاع طعامه بتلذذ فطبق الكِشك مع الخبز الشمسي لم يتناوله منذ سنوات طويلة واشتاق له كثيراً وهذه المرة الأولى منذ عاد من سفره تحنو عليه جدته وتعده له،ابتسم بسعادة واطمئنان لم يشعر بهما سوى بذلك المنزل الصغير المكون من طابق واحد بأطراف البلدة،فمن يتخيل أن تلك المرأة العجوز يمكن أن تهب رجلاً مثله كل هذا الشعور بالأمان والسكينة؟!بتلك الملامح السمراء المتغضنة وخصلات الشعر الأبيض التي تفر من وشاحها،وبعينيها التي تمتلئ بالغموض يجعل الجميع يهابونها ولكنهم أيضاً يحبونها،هو رجل يقدر شعور السكينة لأنه حُرم منها لسنوات طويلة،أياماً وشهور كان يعيش كفأر يختفي بالشقوق،يقتات الفتات،رأى الموت بعينيه وهو ينتقل من شواطئ ليبيا لإيطاليا وحتى حينما وصل لأرض الأحلام كما تخيل عانى كثيراً لسنوات طويلة،عمل بنصف أجر لأنه يعمل بدون أوراق رسمية،شعر بالإهانة والقهر وهو يحتال ليحصل على إقامة قانونية،قرن إسمه مع إمرأة كانت تعاشر غيره وهو يعلم،هل هناك طعنة لرجولته أقوى من ذلك؟ حتى لو لم تكن زوجته حقاً لكن شيءٌ ما أوغر صدره وبداخله ابتلع غصة وراء غصة محاولاً أن يضمد جراح كبرياءه المهدور.
تشتت أفكاره حينما فتحت جدته باب غرفتها الخشبي العتيق الذي أصدر صريراً عالياً واتجهت بدون أن تلتفت إليه نحو الباب الخارجي فانتفض من جلسته وهرع نحوها:"جدتي،إلى أين أنتِ ذاهبة؟"
"لا شأن لك،تناول طعامك وانتظر هنا"
نهرته وهي تواصل تقدمها نحو الباب فإلتف حولها ليواجهها:"كيف لا شأن لي؟لن أتركك تخرجين بمفردك،أنتِ بالكاد تغادرين الدار،فكيف بخروجك ليلاً!"
"في الليل تخلو بها شياطينها،إنها بحاجة لي،دعني وشأني"
هز رأسه بإستسلام فهو يعلم أن أي جدال مع جدته لا طائل منه ورغم هذا حاول:"إنها بالكنيسة آمنة جدتي،هذا لو كانت لازالت هناك"
"يا قليل الحظ،يا موجوع القلب،أريد الذهاب لمنزل عبد الرحيم القاضي"
لكزته وهي تحدق به بإستياء وكأنه يرتكب خطأ فادح بعدم فهمه لكلماتها المبهمة:"الطريق طويل ولكن كل الطرق تبدأ بخطوة"
"ماذا ستفعلين بدار عبد الرحيم القاضي الآن،إنه بالمشفى في القاهرة وزوجته فقط هناك"
حاول إيقافها فالساعة تقترب من الثامنة مساء ولا يعرف كيف ستستقبلها تلك المرأة التي أصبحت مدار حديث البلدة فالجميع يتهامس بشأن استيلائها على منزل وأرض عبد الرحيم القاضي.
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...