تمددت بالفراش الوثير وكأنه أشواك تؤلمها، توخزها إلا أنها لا رغبة لها بمغادرته،لمن ستغادره؟ ولماذا؟ تساءلت طوال اليومين الماضيين التي قضتهما بين جنبات تلك الجدران، ما هذا الذي أوقعت نفسها به؟ تخرج من بين قضبان جدران لتزج نفسها بين قضبان جدران جديدة، حتى دفعتها حماقتها إلى منزل والدتها، اعتقدت أنها ستجد يدً تربت على كتفها أو كف يمسد شعرها، عناق يخبرها أنها ليست وحيدة في هذا العالم، أو ربما اعتذار واهي مهلهل يبرر لها لِمَ تخلت عنها وتركتها مُضغة تلوكها الأفواه، يتقافذون سيرتها بين الألسن ويطعنونها بنظراتهم بسهام مسمومة،انتظرت أيًا من ذلك لكنها لم تجد سوى جفاء، وبرودة تنافس وحشة القبر المظلم الذي تردد صراخها بين جدرانه، يومان مرا لم تتحدث سوى مع الخادمة التي تدفع عربة الطعام وتعود بعد قليل لإستردادها في صمت، لا تسأل لما لم تمس الطعام أو لما لا ترغبه، امرأة تؤدي عملها، رغم نظرات الشفقة التي ترمقها بها، جالت عينيها في الجدران من حولها، وأثاث الغرفة الفاخر، كل ما حولها يوحي بثراء فاحش ورغد في العيش،في ميزان والدتها هي أبخس من منزل كبير فخم، وسيارة فارهة، استبدلت ابنتها بحياة مختلفة عن تلك التي كانت ستعيشها في بلدتهم،أغمضت عينيها لتكبح جماح دمعة حاولت منعها من التسلل ومغادرة مُقلتيها، تمثلت صورته أمام عينيها وكأنه بمثوله يربت على حزنها ويهدهده،هربت دمعتها رغمًا عنها شوقًا لسمرة بشرته وخصلات شعره التي تناثر الشيب بها فزاده هيبة فوق هيبة ووقارًا فوق وقار،اشتاقت إلى صدى ضحكاته التي ترددت في آرجاء غرفتهما فترقص الجدران طربًا لضحكاته،عمق نبرة صوته الرخيمة التي تسللت إلى روحها دون وعي منها،اشتاقت إلى رفقته والأمان بين ذراعيه،إبتسامته المتزنة التي يخصها بها حين يعتذر عن انشغاله دون أن يتفوه بكلمة اعتذار، لكنها كانت كافية لتخبرها بكم يشتاق لها..من بين دموعها التي تدفقت وكأن الدمعة الأولى مفتاح سر بقية الدمعات،انشقت شفتيها الحزينتين عن إبتسامة مريرة لذكرى رحلتها على اليخت معه، كيف لمحت في عينيه قلق خالص واهتمام حينما انتابها دوار البحر وشعرت بالرغبة في القيئ،إلتفت ذراعيه حول جسدها وكأنها تمنح روحها العناق الذي تبغاه، فأية ذكرى عاشتها معه باتت ترهقها بدلًا من أن تؤنسها في مصابها،لا تتذكر أبدًا أن والدها حملها وهي طفلة، أو جلس بجوارها وهي مريضة، لكن رشوان البنا بكل هيبته، ومكانته، وسلطانه، جلس إلى جوارها في الفراش بالغرفة السفلية باليخت، يمسد شعرها ويحدثها ويضع الدواء في فمها، اتكأت على صدره وهي تحتسي المشروب الذي يساعد على اتزان معدتها، واصلت يده تمسيد شعرها وشفتيه في تقبيل جبينها حتى استدارت بمحض إرادتها دون تمثيل، دون رياء، فقط أرادت حينها ذلك.. أرادت أن تدس وجهها بين حنايا صدره وتنثر قبلاتها هناك، رفعت ذراعيها تحيط بعنقه وتجذبه نحوها بينما تسللت يدها تحل أزرار قميصه تشتهي قربه وكأنها ثملة من دوار البحر أو هكذا بررت لنفسها في ذلك الوقت،التفت ذراعيه حول جسدها، فغاب دوار البحر، وغاب البحر ذاته ولم تبقى سوى قبلاته وهمساته واجتياحه الهادر، حتى استمعت لنبرته الآجشة:
أنت تقرأ
توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)
Romanceمِن ضِلْعَك خُلِقت..لا شيء مني يخلو مِنْك..فلا تدّعي أنك بإغوائي من الجنة خرجت.. فكيف للكل أن يتبع الجزء؟! أولست أقوم؟! أولست أقوى؟! أولست أذكى؟! وأنا ناقصة عقلٍ ودين؟!فكيف للكل أن يتبع الجزء ويكن له تابع آمين!! صه واستمع للحقيقة لعل عقلك من غروره...