الفصل الثانى عشر

47 3 0
                                    

طوت السيارة الطريق ما بين القاهرة وأسيوط بينما هي غارقة في تدفق أفكارها بالكاد تحجب ذلك السيل حينما يقاطعها رنين هاتفها،فوالدتها كالعادة تداوم على الإطمئنان عليها عبر الهاتف كل نصف ساعة تقريبًا،لم تكن تلك المرة الأولى أو الاخيرة التي ستقطع بها الطريق من القاهرة إلي أسيوط أو العكس بيد أن ذات القلق وذات التوتر لا ينتقص منهما شيء،ناهضت كثيرًا و ألحت طويلًا وجادلت أشقائها ووالدها عام كامل حتى اقتنعوا أو لنقل المسمى الحقيقي للأمر ساوموها على منحها موافقتهم،فأشقائها كان لديهم مساومة هي رأتها مجحفة ظالمة وبالرغم من ذلك رضخت لها ورأت بعين العقل أن قليل من الربح من ظلم واجب النفاذ أفضل من يد خاوية الوفاض،السيارة وشقة مقابل التنازل عن حقها الشرعي الذي منحه الله لها في أرض العائلة،على أية حال كانت تعرف أنها لن تنال من الأرض قيراط واحد لذا فبعض الربح أحق أن تناله بدلًا من العناد..تعلمت درسها جيدًا وعلمت أن ثورتها وتمردها كقطرة ماء تحاول الإنشقاق عن مجرى النهر،أي تمرد هذا الذي سيؤتي بثماره؟

تنهدت بعمق وإستسلام فهي أفضل حالًا من آلاف الفتيات في مجتمعها بل أن بعضهن يغبطنها على ما وصلت وحصلت عليه من حقوق وبعضهن يحسدنها،فوالدها رجل حاصل على تعليم جامعي وأشقائها الثلاثة كذلك وجميعهم أخف وطأة من شدة وتجبر عمها،لكن سيظلوا دائمًا وأبدًا رجال يحملون الدماء الصعيدية في عروقهم وتنبض بها أفئدتهم،والعادات والتقاليد البائسة وتد غرس بثبات في صميم قناعتهم فلا مناص منهما..ومصير ميراث أي فتاة إما(التقريض)أو(الرضوى)،

(التقريض هو إهمال حق الأنثى في الميراث حيث يقوم المالك للأرض ببيع ما يمتلكه من أرض وعقارات لأبنائه الذكور..أما الرضوى فهي تعني منح الفتاة ترضية يقدرها الوالد أو الأشقاء الذكور وعلى الأغلب لا تعادل سوى قيمة زهيدة من نصيبها الشرعي)

 وفي حالتها امتلكت حظًا وفيرًا ليستقر الأمر على الرضوى،ومنح والدها لأشقائها الأرض كاملة والمنزل لشقيقها البكر واكتفى بشراء شقة لها في القاهرة وتلك السيارة،ربما لا يعادل هذا الربع من ميراثها الشرعي بيد أنها ايضًا تُعد محظوظة للغاية لحصولها عليهما بل محظوظة للغاية أن والدها رحب الصدر وتقبل إنجاب فتاة وفاض عليها بكرمه فوهبها أيضًا الحق في أن تتعلم!

فأين هي من قصص كثيرة لسيدات تمردن على العرف السائد بالميراث الذي يحكم فقط لصالح الذكور ويرفض ميراث المرأة،العديدات دفعن ثمن تَمَرُدهن باهظًا،قتل،طرد،قطيعة،وإمعان في الإذلال للقَبُول بالفُتَات تحت سكين المجالس العرفية،كل هذا والعدالة عمياء صامتة،والقانون يستجيب مرة ويغض نظره مرات،فيما لاتزال هامات تتطلع على استحياء فقط ليحصلن على ما أمر به الله،وأقره القانون..ويرفضه العرف والصعيد.

أوقفت حنة سيارتها أمام المنزل الكبير الذي لم يكن في الواقع يعد منزل بل قصر مهيب لعضو مجلس الشعب عن مدينة أسيوط ناصر السوالمي،وهبطت منها على عجل بشوق كبير لوالدتها ووالدها،نعم..إنها عاشقة لوالدها رغم الظلم الذي أوقعه عليها و لم تقبله أبدًا بطيب خاطر،ليس وكأنها قادرة بالفعل على رعاية الأرض لكن في النهاية هذا حقها الذي شرعه الله لها ولم يكن لها خيار في الحصول عليه أو ما يعادله بما يرضي الله.

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن