الفصل الحادى والعشرون

46 4 0
                                    

اتكئ على ظهر الآريكة الخشبية التي تغطيها الوسائد الوثيرة من قاعدتها وحتى ظهرها لتكن أكثر راحة من أجل ذلك الذي اعتاد إتخاذها ملجأ له يعتليها ويشرد بعيدًا يعيد ترتيب أموره، هكذا كان حاله منذ كان شابًا صغيرًا بالعشرين من عمره ومنذ أن أصبح الإسطبل بكل ما فيه من خيل ملكًا خالصًا له أوكله له والده ليهتم بشؤنه لمدى علمه أنه يعشق الخيل،ولطالما كانت كلمات والده له أن حبه للخيل علمه الصبر والتروي وإجادة الحكم على البشر.. فالبشر مثل الخيل بعضهم هجين بلا أصل أو عرق نقي،الخيال الماهر فقط هو من لا ينخدع بظاهرهم وبعضهم من سلالة نقية خالصة والخيال الماهر ايضًا من يمكنه رؤية باطنهم.

سنوات طويلة ظل الإسطبل ملجأه الذي يجد فيه راحته ومحروس رفيق صامت له، ذراعه اليمنى أكثر منه خادم،يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، أدرك رشوان منذ زمن بعيد أنه من ذلك النوع من البشر ذوي السلالة النقية والأصل الطيب لذا ائتمنه على ما لم يأتمن عليه سواه،جالت عيني رشوان متطلعًا من حوله على أشجار الفاكهة الوارفة التي تظلل مجلسه والنخيل العالي الذي يشكل جدار إضافي إلى جانب السياج الذي يحيط بالإسطبل وداعب أذنيه صهيل فرسته وكأنها تشتاقه فقد مضى وقتًا ليس بالقليل منذ امتطاها آخر مرة فهي تذكره بها.. بغالية،فبعد عدة أشهر من زواجه وجد نفسه بين عشية وضحاها يدلل فرسته بلقب جديد (غالية) بالرغم أنها منذ ميلادها حملت لقب (بشرى) لكن شيئ ما دفعه ليدللها بذاك الإسم ربما ليستطيع بثها شوقًا وأسرار عشق لم يجرؤ على بثه لصاحبة الإسم ذاتها،لم يخبرها يومًا أنه يهواها وعاشقًا لها،دللها و اهتم بها وكأنها كنزه النفيس إلا أنه ابدًا لم يعلن لها عما فاض به قلبه ربما حتى لم يصرح لنفسه ووارى هواها عن عقله حتى لا يوبخه.

"خائنة.. غالية..مَا أقَسـاه من شُعــور .. عَاجِـز عن الإبتعَاد ، وَمَمنُوع بحق كبريائي من الإقـتـرَاب، وكيف أنساكِ آوَ نمنع الموت حين يأتي القضاء؟! وكيف أنساكِ..؟؟ وهل كان لآدم إختيار أن تخلق من ضلعه حواء؟ كيف أنساكِ وهواك قدرٌ ومشيئة من الله فكان ما شاء"

أغمض عينيه يدفع صورتها التي تتكحل بها حدقتيه بعيدًا عل قلبه يجد لحظات من السكينة، ودفع عقله دفعًا للتفكير بشحنته الجديدة فهتف بمحروس يستدعيه والذي ما كان منه سوى أن هرول مجيبًا:" أوامرك يا حاج"

"هل انتهى إسحاق من تجهيز داره وترتيبات العرس؟"

أومئ الرجل الأربعيني بتأكيد فزفر رشوان مضيفًا: "أريده هنا في الغد لأطمئن على سير الأمور جميعها بنفسي"

اومئ الرجل مكتفيًا بإشارة من رأسه فرمقه رشوان قليلًا قبل أن يضيف :"العاقبة عندك يا محروس، فلتنسى يا رجل وتزوج فقد مرت خمسة أعوام منذ وفاة زوجتك"

"ما عاد في القلب متسع لعشق إمرأة سواها"

ضرب رشوان الأرض بعصاه بخفة واستند بذقنه على كلتا يديه التي تتمسك بالعصا محاولًا التحكم بنبضات عشقه،فقد قاسى ويلات العشق ويدرك أحكامه:

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن