الفصل الثانى

68 4 0
                                    

جسداً تحولت كل حواسه إلى اذنين ترهفان السمع لكل ما يدور حولهما،كانوا يتحدثون عنه وكأنه بلا إرادة،يتنازع..ون على أمواله ويسبونه بدون أن يستحوا من وجودهم معه بنفس الغرفة..بنبرات غاضبة عالية يتراشقون بالكلمات واللوم،فأغمض عينيه التي طفرت دمعاتها،دمعات لم تزر عينيه إلا منذ أن دخلت صبا عالمه،وكأنها آتت لتذيقه كأس مرير لطالما آذاقه لصبايا من قبلها،جسده أصبح هرماً وساقيه لا تحملانه وأيامه بهذا العالم ليست بقدر ما مضى من عمره بالتأكيد،يرتجف رعباً من صرخات أصبحت لا تفارق أحلامه،عينان تحدق به بفزع ورعب وتوسل،صرخات خنقها بيديه حتى تلاشت وغابت عن الحياة،صرخات توسلته أن يرحمها والآن تؤرق مضجعه وتتجسد بأحلامه وبظلام وحدته،وهم عنه لاهون لا يهتمون سوى بالأرض التي سلبتها صبا.

"لا تحاول إقناعي يا سعد أن والدك قبض مقابل عادل للأرض من تلك الشحاذة،هذه المرأة هي وأهلها لا يملكون سعر فدان واحد"

هتف سليمان بنبرة غاضبة جعلت عروق رقبته تبرز ووجهه يحتدم بينما عقد سعد ذراعيه أمام صدره كعادته وساقيه منفرجتين بوقفته وحاجبه الأيمن يرتفع بحدة وهو يحدق بشقيقه بصمت.

"سعد جميعنا نعلم أن شرعاً هذا البيع باطل،أنت هنا لا تظلم أحد،بل تسترد حقك المسلوب،والدك بطريقة ما لا نعلمها أكرهته تلك المرأة على هذا البيع،وهذا ظلم بَيّنْ،وكتمانك الحق ظلم لنفسك قبل أن يكون لنا"

تحدث ناجي مخاطباً سعد مضيفاً:"وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"

أحنى سعد رأسه وهو يحدق بشقيقه بنظرة ساخرة صامتاً قليلاً قبل أن يصدر صوت خشن من حلقه كضحكة ساخرة ولكنها لم تبدد حتى من تقطيبة وجهه:

"حقيقة لا أعلم كيف لا تستحي من إستغلال الدين بتلك الطريقة يا ناجي!!ألم يكن كتماناً للحق حينما غضضنا أنظارنا عن زواج والدك من تلك الصبية؟!ألم نغضض أبصارنا عن ما يحدث لها؟؟ألم اخبركم بشكوك الطبيب حينما سقطت من أعلى الدرج؟؟ألم تخبركم الخالة سعدية عن ما يفعله بها من ضرب وإحتجاز حتى أنه منع عنها أهلها؟"

بدا الحرج والارتباك على وجه ناجي فتدخل سليمان على الفور:"ماذا كنت تريدنا أن نفعل؟؟العرس كان جهاراً أمام البلدة كلها،لو أرادت الرفض لما لم تخبر الشيخ؟ثم هل تقبل أن يتدخل أحد بينك وبين زوجتك؟؟إنها زوجته وما بينهما شأنهما وحدهما"

"أنا لست متزوج سليمان ولن أتزوج،لكن إذا فُرض وحدث هذا فأجابتي هي..نعم لو ظلمتها أود لو ردني أحدهم..."

"هذا رأيك الخاص وأنت حر به،لكن ليس هذا ما نشأنا عليه ولا هذه هي تقاليدنا وعادتنا،أمور الرجل وزوجته شأنهما ولها حرمة...وهو لم يكفر بل تزوج على سنة الله ورسوله،الزواج إشهار وموافقة وهى لم تعلن رفضها ووالدك أقام عرساً بالبلدة حتى الصباح"تحدث ناجي محاولاً الأجابة على شقيقه ليثنيه عن أفكاره.

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن