السادس والعشرون

49 4 0
                                    

دلف إلى منزله ليلًا بعد تعذر عودته على الغداء كما طالبته زوجته، فالأعمال تتزايد ويحمد الله على ذلك،بيد أن بكريته فتاة هي قرة عينه، تغدق عليه من الحنان والدلال ما يفوق والدتها؛لكن فيما يتعلق بعملهم عليه أن ينتظر مزيد من السنوات حتى يشب الصبية ويعاونونه، يكونون سندًا وعونًا، أحيانًا يتمنى لو أن فتاته صبي وحينما تعانقه،وتطعمه بيدها في فمه يتملكه حنين العالم لإنجاب فتاة أخرى تكن له ودًا ورحمة،ومؤنسة ضد تقلبات الزمن،وواحة راحة حينما يُقبل خريف العمر، اندفعت فارسة أفكاره بإبتسامتها المشرقة باسطة ذراعيها في ملاقته، بعينين تومض بالسعادة لمرآه استدارت ذراعيها حول عنقه :

"لم أعتاد تناول الغداء بدونك ووالدتي أصرت أن أتناول غدائي حتى لا أتناول الطعام ليلًا"

ربت بحنان على ظهرها ممسدًا شعرها الأسود المموج بيده الأخرى :"تعرفين أن والدتك تحاول جاهدة أن تجعلك تعتادين أساليب صحية اتبعتها معكِ منذ كنت طفلة، كما نشأت هي عليها وللحقيقة أرى أنها على حق، لذا لا تتذمري، فقد أرسلت الخالة سعدية بالغداء لنا أنا وعمك ناجي في الفرع  الرئيسي لمتاجر العطارة"

"لا تكررها،لأنني لم أستسغ الطعام دونك"

انحنى يلثم جبين ابنته،التي تعلقت يديها في ذراعه وصاحبته نحو الدرج المؤدي للطابق الأعلى فسألها :

" أين الصبية؟ لا أعتقد أنهم خلدوا للنوم بعد"

"مجتمعين في غرفة يحيى، لديهم حرب شنعاء يصل صوتها حتى غرفة المعيشة في الطابق السفلي"

ابتسم والدها مدركًا مقصدها من تلك الحرب التي تعني بهم،لعبتهم القتالية التي يتابعون كل جديدها بشغف،ويتشارك الثلاثة رغم تفاوت أعمارهم في الإهتمام بها، ومع وضع حدود صارمة من والدتهم في تخصيص وقت محدد لألعاب الفيديو؛ لن يغامروا بالطبع بإهدار بعضًا منه في استقبال والدهم فتلك المشاعر فقط تخصها به مؤنسته وصغيرته سلسبيل.

"انتهيتي من استذكار دروسك؟"

أومأت برأسها إيجابًا :"نعم، وكنت أقرأ في الأسفل بإنتظارك"

دلف إلى غرفته، بعد أن اتجهت ابنته نحو غرفتها ولم يمضِ سوى القليل من الوقت حتى لحقت به زوجته فترك هاتفه واعتدل من رقاده على الفراش :"حمدًا لله على سلامتك، كيف حال مَنْ كُنتِ لديهم؟"

هزت رأسها بإستنكار:"تتعالى عن ذِكره،أو ذِكر آل بيته يا ابن القاضي؟"

لم تمنحه الفرصة ليجيب واستطردت :"سأستبدل ملابسي وأعود؛ لأن بيننا حديث طويل يا سُليمان، وتذكر أنني لم أخالفك الرأي أبدًا طوال ثمانية عشر سنة زواج"

تبعها بعينيه، وهي تستبدل ملابسها، موقنًا أنها على وشك شن حربًا على قرارته، لم تخالفه الرأي لسنوات طويلة، نعم؛ لكنه رجل أدرك ولازال ذكاء امرأته وقدرتها على تحويل مسار أفكاره؛ ليخلقا معًا مجرى جديدًا يسري به قارب حياتهما بيسر.

توبة بلا خطيئة الجزء الثالث من سلسلة حواء بقلمي نورسين (دعاء أبو العلا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن